فضل زيارة مسجد قُباء 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

 رُوي عن النبي صل الله عليه وآله قوله: "من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قُباء، فصلى فيه ركعتين كان كعمرة".

والاستفسار هل الرواية مروية عند فرق المسلمين وبنفس النص؟ هل يشترط لحصول فضل العمرة الوضوء في المسكن والتوجه للمسجد بهذه النية وأن يصلي ركعتين خاصة أو تكفيه الصلاة الواجبة او نافلة أداء او قضاء أو صلوات أخرى مثل صلاة برِّ الوالدين ليحصل على فضل العمرة المذكورة في الرواية؟ وما هو الدعاء المروي قراءته بعد الصلاة؟

الجواب:

الرواية بهذه الألفاظ مروية في طرق العامة عن سهل بن حنيف: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قُباء، فصلَّى فيه صلاة، كان له كأجر عمرة"(1).

نعم ورد ما يقرب من ألفاظ هذه الرواية في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه بسنده عن حريز عمَّن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من أتى مسجدي مسجد قبا فصلَّى فيه ركعتين رجع بعمرة"(2).

وكذلك ورد في كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق رحمه الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من أتى مسجدي مسجد قبا فصلَّى فيه ركعتين رجع بعمرة". قال: وكان (ص) يأتيه ويصلِّي فيه بأذانٍ وإقامة"(3)

والظاهر من الرواية الأولى المروية من غير طرقنا أنَّ الوعد النبوي بالحصول على أجر عمرةٍ من زيار مسجد قبا منوطٌ بإتيان المسجد على طهارة والصلاة فيه، فلا يشترط أكثر من أن يكون على طهارة حين إتيان المسجد سواءً وقعت منه الطهارة في بيته أو في موضعٍ آخر، نعم يظهرُ من الرواية أنَّ الوعد النبويَّ منوطٌ بالكون على طهارة من حين قصد الشروع في المسير إلى المسجد، فقبل أنْ يشرع في المسير إليه يتطهر. وكذلك يظهر منها أن الفوز بأجر العمرة إنما هو لمن خرج قاصداً زيارة مسجد قبا وأما من صادفه في طريقه فدخل وصلَّى فيه فهو غير مشمول ظاهراً للوعد النبوي ويؤيد هذا الاستظهار ما أورده النسائي لذات الرواية مع شيء من الاختلاف في ألفاظها، روى بسنده عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج حتي يأتي هذا المسجد مسجد قُباء فصلى فيه كان له عدل عمرة"(4) فإن الظاهر من قوله: "من خرج حتى يأتي .." أنَّ خروجه بقصد الزيارة لمسجد قُباء لا أنَّه خرج لأغراض أخرى فصلَّى في طريقه إلى مقاصده في مسجد قبا فإن مثله غير مشمول للوعد النبوي بحسب ظاهر الرواية، نعم ورد في بعض رواياتهم أنَّ محض الصلاة في مسجد قبا يعدل ثواب عمرة، روى ابن ماجه بسنده عن أسيد بن ظهير الأنصاري، وكان من أصحاب النبي (ص)، يحدث عن النبيِّ(ص) أنه قال: "صلاة في مسجد قُباء كعمرة"(5).

وكيف كان فالرواية الواردة من طرقنا لم تقيد الحصول على الوعد النبوي بالتطهر عند الشروع في المسير إلى المسجد، فيكفي للرجوع بثواب عمرة أن يأتي المكلَّف مسجد قُباء ويصلِّي فيه ركعتين حتى لو وقعت الطهارة منه حين الوصول للمسجد أو كان على طهارةٍ سابقة لم يكن قد قصد بها الإتيان إلى المسجد.

وهل يعتبر في الركعتين كيفيَّة خاصة؟

لا يظهر من رواية الشيخ الصدوق اعتبار كيفيَّة خاصة في أداء الركعتين، ولهذا يمكن تطبيق هاتين الركعتين على مثل قضاء فريضة أو أداء نافلة راتبة أو غير راتبة. وكذلك هو الظاهر من رواية سهل بن حنيف فيكفي للحصول على ثواب العمرة أنْ يصلِّي فيه صلاةً، نافلةً كانت أو فريضة.

ويظهر من رواية الصدوق الثانية أنَّ النبيَّ (ص) كان يدأبُ على أداء صلاة فريضةٍ في مسجد قُباء، فذلك هو المستفاد من قوله وكان (ص) يأتيه ويصلِّي فيه بأذان وإقامة" والصلاة بأذانٍ وإقامة لا تكون إلا لفريضة من الفرائض اليوميَّة.

هذا وقد ورد في طرق العامَّة أنَّ النبيَّ الكريم (ص) كان يدأبُ على زيارة مسجد قُباء والصلاة فيه كلَّ يوم سبت، فمِن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: "كان النبي (ص) يأتي مسجد قُباء كلَّ سبت ماشيا وراكباً"(6).

ومنه: ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال: "كان رسولُ الله (ص) يأتي مسجد قُباء راكباً وماشياً فيصلِّي فيه ركعتين"(7).

الحثُّ على زيارة مسجد قُباء ومساجد المدينة:

هذا وقد ورد الحث في روايات أهل البيت (ع) على زيارة مسجد قُباء ومسجد الفضيخ ومسجد الفتح وهو مسجد الأحزاب ومشربة أم إبراهيم، وقبور الشهداء وقبر حمزة (ع).

فمِّما ورد في ذلك: صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) لَا تَدَعْ إِتْيَانَ الْمَشَاهِدِ كُلِّهَا - مَسْجِدِ قُبَاءَ فَإِنَّه الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، ومَشْرَبَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، ومَسْجِدِ الْفَضِيخِ، وقُبُورِ الشُّهَدَاءِ ومَسْجِدِ الأَحْزَابِ وهُوَ مَسْجِدُ الْفَتْحِ قَالَ: وبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ (ص) كَانَ إِذَا أَتَى قُبُورَ الشُّهَدَاءِ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ولْيَكُنْ فِيمَا تَقُولُ عِنْدَ مَسْجِدِ الْفَتْحِ: - يَا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ ويَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ اكْشِفْ هَمِّي وغَمِّي وكَرْبِي كَمَا كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّه وغَمَّه وكَرْبَه وكَفَيْتَه هَوْلَ عَدُوِّه فِي هَذَا الْمَكَانِ"(8).

ومنه: رواية عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع): أَنَّا نَأْتِي الْمَسَاجِدَ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَبِأَيِّهَا أَبْدَأُ؟ فَقَالَ(ع): ابْدَأْ بِقُبَا فَصَلِّ فِيه وأَكْثِرْ فَإِنَّه أَوَّلُ مَسْجِدٍ صَلَّى فِيه رَسُولُ اللَّه (ص) فِي هَذِه الْعَرْصَةِ ثُمَّ ائْتِ مَشْرَبَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فَصَلِّ فِيهَا وهِيَ مَسْكَنُ رَسُولِ اللَّه (ص) ومُصَلَّاه، ثُمَّ تَأْتِي مَسْجِدَ الْفَضِيخِ فَتُصَلِّي فِيه، فَقَدْ صَلَّى فِيه نَبِيُّكَ فَإِذَا قَضَيْتَ هَذَا الْجَانِبَ أَتَيْتَ جَانِبَ أُحُدٍ فَبَدَأْتَ بِالْمَسْجِدِ الَّذِي دُونَ الْحَرَّةِ فَصَلَّيْتَ فِيه ثُمَّ مَرَرْتَ بِقَبْرِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَسَلَّمْتَ عَلَيْه.

ثُمَّ مَرَرْتَ بِقُبُورِ الشُّهَدَاءِ فَقُمْتَ عِنْدَهُمْ فَقُلْتَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وإِنَّا بِكُمْ لَاحِقُونَ، ثُمَّ تَأْتِي الْمَسْجِدَ الَّذِي كَانَ فِي الْمَكَانِ الْوَاسِعِ إِلَى جَنْبِ الْجَبَلِ عَنْ يَمِينِكَ حِينَ تَدْخُلُ أُحُداً فَتُصَلِّي فِيه فَعِنْدَه خَرَجَ النَّبِيُّ (ص) إِلَى أُحُدٍ حِينَ لَقِيَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى فِيه، ثُمَّ مُرَّ أَيْضاً حَتَّى تَرْجِعَ فَتُصَلِّيَ عِنْدَ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ مَا كَتَبَ اللَّه لَكَ ثُمَّ امْضِ عَلَى وَجْهِكَ حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدَ الأَحْزَابِ فَتُصَلِّيَ فِيه وتَدْعُوَ اللَّه فِيه، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) دَعَا فِيه يَوْمَ الأَحْزَابِ وقَالَ: يَا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ ويَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ويَا مُغِيثَ الْمَهْمُومِينَ اكْشِفْ هَمِّي وكَرْبِي وغَمِّي فَقَدْ تَرَى حَالِي وحَالَ أَصْحَابِي"(9).

ومنه: صحيحة الْحَلَبِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): هَلْ أَتَيْتُمْ مَسْجِدَ قُبَاءَ أَوْ مَسْجِدَ الْفَضِيخِ أَوْ مَشْرَبَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَمَا إِنَّه لَمْ يَبْقَ مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّه (ص) شَيْءٌ إِلَّا وقَدْ غُيِّرَ غَيْرَ هَذَا"(10).

أقول: منشأ تسمية مسجد الفضيخ بهذا الاسم هو اكتنافه بنخيل تسمَّى الفضيح كما ورد ذلك في معتبرة لَيْثٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ مَسْجِدِ الْفَضِيخِ لِمَ سُمِّيَ مَسْجِدَ الْفَضِيخِ فَقَالَ: لِنَخْلٍ يُسَمَّى الْفَضِيخَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ مَسْجِدَ الْفَضِيخِ"(11).

ومسجد الفضيخ هو ذاته مسجد الشمس أو مسجد ردِّ الشمس كما في رواية الكليني في الكافي بسنده عن عَمَّارِ بْنِ مُوسَى -الساباطي- قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وأَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) مَسْجِدَ الْفَضِيخِ فَقَالَ: يَا عَمَّارُ تَرَى هَذِه الْوَهْدَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ إلى قوله قال- أمير المؤمنين (ع): كُنْتُ أَنَا ورَسُولُ اللَّه (ص) قَاعِدَيْنِ فِيهَا إِذْ وَضَعَ رَأْسَه فِي حَجْرِي ثُمَّ خَفَقَ حَتَّى غَطَّ، وحَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَرِّكَ رَأْسَه عَنْ فَخِذِي فَأَكُونَ قَدْ آذَيْتُ رَسُولَ اللَّه (ص) حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ وفَاتَتْ فَانْتَبَه رَسُولُ اللَّه (ص) فَقَالَ: يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: ولِمَ ذَلِكَ قُلْتُ: كَرِهْتُ أَنْ أُوذِيَكَ قَالَ: فَقَامَ واسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ومَدَّ يَدَيْه كِلْتَيْهِمَا وقَالَ: اللَّهُمَّ رُدَّ الشَّمْسَ إِلَى وَقْتِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلِيٌّ فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ حَتَّى صَلَّيْتُ الْعَصْرَ ثُمَّ انْقَضَّتْ انْقِضَاضَ الْكَوْكَبِ"(12).

والحمد لله ربِّ العالين

الشيخ محمد صنقور

21 / رجب المعظم / 1446ه

22 / يناير / 2025م

 


1- سنن ابن ماجه ج1 / ص453.

2- كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه- ص66، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص355.

3- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1/ 229، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص286.

4- السنن الكبرى -النسائي- ج2 / ص37.

5- سنن ابن ماجه ج1 / ص453.

6- صحيح البخاري -البخاري- ج2 / ص57.

7- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج4 / ص127.

8- الكافي -الكليني- ج4 / ص560

9- الكافي -الكليني- ج4 / ص561

10- الكافي -الكليني- ج4 / ص561

11- الكافي -الكليني- ج4 / ص561. وقيل كما في تفسير القمي ج1 / ص181 إن منشأ تسمية مسجد الفضيخ بهذا الاسم هو أنَّه حين فرض رسول الله (ص) على المسلمين إراقة الأشربة المسكرة أو القابلة للإسكار كان جالسا في ذلك المسجد، فأراق الناس ما كان في بيوتهم من تلك الأشربة وكان أكثرها من الفضيخ وهو شراب متخذ من البسر المفضوخ أي المشدوخ، فأكثر ما أريق في ذلك اليوم هو الفضيخ ولذلك سمِّي المسجد الذي كان رسول الله (ص) جالسا فيه حين أمر بإراقة شراب الفضيخ وشبهه سمِّي من ذلك اليوم بمسجد الفضيخ.

12- الكافي -الكليني- ج4 / ص563.