هل يثبت حدُّ الزنا على المجنون
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل يقام الحدُّ على الرجل المجنون إذا زنا ؟
الجواب:
المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة هو سقوط الحدِّ عن المجنون إذا ارتكب جريمة الزنا تماماً كما هو الشأن فيما لو وقع الزنا من المجنونة فإنَّه لا ريب في عدم استحقاقها للحد، إلا أنَّه في مقابل ما ذهب إليه المشهور نُسب إلى عدد من الأعلام القول بوجوب إقامة الحدِّ على المجنون إذا زنا(1).
والظاهر أنَّ مستندًهم في ذلك – لو صحَّت النسبة- هو ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): إِذَا زَنَى الْمَجْنُونُ أَوِ الْمَعْتُوه جُلِدَ الْحَدَّ، وإِنْ كَانَ مُحْصَناً رُجِمَ قُلْتُ: ومَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَجْنُونِ والْمَجْنُونَةِ والْمَعْتُوه والْمَعْتُوهَةِ؟ قَالَ: الْمَرْأَةُ إِنَّمَا تُؤْتَى والرَّجُلُ يَأْتِي وإِنَّمَا يَزْنِي إِذَا عَقَلَ كَيْفَ يَأْتِي اللَّذَّةَ، وإِنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّمَا تُسْتَكْرَه ويُفْعَلُ بِهَا وهِيَ لَا تَعْقِلُ مَا يُفْعَلُ بِهَا"(2)
إلا أنَّ هذه الرواية فاقدةٌ للحجيَّة في نفسها وذلك لضعف سندها أولاً نظراً لاشتمال السند على إبراهيم بن الفضل المجهول الحال ولمنافاتها ثانياً للسنة القطعية المقتضية لارتفاع القلم عن مطلق المجنون حتى يفيق وأن الأحكام مشروطة بالعقل، هذا مضافاً إلى الروايات الخاصة التي نصَّت على سقوط الحدِّ عن المجنون
منها: صحيحة فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: لَا حَدَّ لِمَنْ لَا حَدَّ عَلَيْه، يَعْنِي لَوْ أَنَّ مَجْنُوناً قَذَفَ رَجُلاً لَمْ أَرَ عَلَيْه شَيْئاً ولَوْ قَذَفَه رَجُلٌ فَقَالَ لَه يَا زَانِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْه حَدٌّ"(3)
ومنها: موثقة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا حَدَّ لِمَنْ لَا حَدَّ عَلَيْه، وتَفْسِيرُ ذَلِكَ لَوْ أَنَّ مَجْنُوناً قَذَفَ رَجُلاً لَمْ يَكُنْ عَلَيْه شَيْءٌ ولَوْ قَذَفَه رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْه حَدٌّ"(4)
ومنها: معتبرة حماد بن عيسى عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) عن علي (عليه السلام) قال: لا حدَّ على مجنونٍ حتى يفيق، ولا على صبيٍّ حتى يُدرك، ولا على النائم حتى يستيقظ"(5)
ومنها: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) فِي امْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ زَنَتْ قَالَ: إِنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَمْرَهَا ولَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ"(6)
فقوله (ع): "إِنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَمْرَهَا" ظاهر في التصدِّي لبيان علة انتفاء الحدِّ عن المجنونة ومقتضى ذلك انتفاء الحد عن المجنون وذلك لوجدانه لذات العلَّة دون أدنى فرقٍ فكلاهما لا يملك أمره. شأن البهيمة لا تملك عقلاً يحجزها وإدراكا تتعرَّف به على ما يسوغ وما لا يسوغ.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
10 من ذي القعدة 1446ه
8 مايو 2025م
----------------
1- جواهر الكلام- الشيخ حسن النجفي- ج 41/ 274.
2- الكافي- الكليني- ج7/ 192، وسائل الشيعة – الحر العملي- ج 28/ 118.
3-الكافي- الكليني- ج7/ 253، وسائل الشيعة- الخر العاملي- ج 28/ 42.
4-الكافي- الكليني- ج7/ 253، وسائل الشيعة- الخر العاملي- ج 28/ 42.
5- وسائل الشيعة- الخر العاملي- ج 28/ 22.
6- الكافي – الكليني- ج7/ 191، وسائل الشيعة – الحر العملي- ج28/ 118.