شهادة الزوج على زوجته بالزنا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
إذا شهد أربعة عدول على امرأة بالزنا وكان أحدهم زوجها هل يثبت عليها الحد بذلك أو أنَّه لا يثبت إلا في فرض عدم كون الزوج أحد الشهود؟
الجواب:
إذا كان الزوج هو المدَّعي وطولب بالبيِّنة أو اللعان ففي مثل هذا الفرض لم يقع خلاف ظاهراً في عدم الاعتداد بشهادته وأنَّ المتعيَّن عليه لإثبات دعواه الإتيان بأربعة شهود لا يكون هو أحدهم. فلو جاء بثلاثة شهداء وكان هو الرابع لم يثبت حد الزنا على الزوجة ووجب إقامة حدِّ القذف على الثلاثة، وأمَّا الزوج فإمَّا أنْ يلاعن أو يقام عليه حدُّ القذف .
مستند القائلين بثبوت الحدِّ على الزوجة:
وإذا لم يكن الزوج هو المدَّعي ولكنَّه كان أحد الشهود الأربعة ففي مثل هذا الفرض وقع الخلاف بين الفقهاء رضوان الله عليهم فذهب الأكثر كما أفاد صاحب الجواهر(1) – إلى قبول شهادته وثبوت حدِّ الزنا على الزوجة، واستندوا في ذلك إلى إطلاقات ما دلَّ على ثبوت حدِّ الزنا بشهادة أربعةٍ عدول فإنَّ مقتضاها ثبوت الحدِّ حتى لو كان الزوج أحد الشهود الأربعة.
هذا مضافاً إلى ما نصَّت عليه رواية إبراهيم بن نعيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتُه عن أربعةٍ شهدوا على امرأةٍ بالزنا أحدُهم زوجها؟ قال : تجوز شهادتهم"(2)
فإنَّها صريحة في المطلوب، فهي وإنْ كانت ضعيفة السند لاشتمال السند على عبَّاد بن كثير الذي لم يرد فيه توثيق فهو مجهول الحال، فهي وإنْ كانت كذلك إلا أنَّها مجبورة بعمل الأصحاب ومؤيَّدة بإطلاقات الأدلَّة التي دلَّت على ثبوت حدِّ الزنا بشهادة أربعة من الشهداء العدول.
مستند النافين للحدِّ عن الزوجة:
وفي مقابل ذلك ذهب جماعة من الفقهاء كالشيخ المفيد وابن زهرة وغيرهما(3) إلى أنَّه لا يثبت الحدُّ بذلك بل يتعيَّن في مثل هذا الفرض إقامة حدِّ القذف على الشهود الثلاثة، وكذلك يُقام حد القذف على الزوج إنْ لم يُلاعن زوجته.
ويمكن الاستدلال على ذلك بصحيحة أبي سيار مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على امرأةٍ بفجور أحدهم زوجها ؟ قال: يُجلدون الثلاثة ويلاعنها زوجُها ويفرَّق بينهما ولا تحل له أبدا"(4)
ويؤيِّد صحيحة مسمع رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال: يلاعن الزوج ويجلد الآخرون"(5)
هذا مضافاً إلى ما يقتضيه إطلاق الآية من سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}(6) فإنَّ الآية التي تقدَّمت هذه الآية هي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}(7) فإنَّ الظاهر من قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} هم الشهداء الأربعة، وعليه فالمستظهَر من مجموع الآيتين أنَّه إذا لم يكن للزوج شهداء أربعة فعليه اللِّعان أو يُجلد حدَّ القذف سواءً تقدم رميه لزوجته وكان هو المدَّعي أو كان في ضمن الشهود. نعم لو صحَّت رواية نعيم بن إبراهيم لكانت صالحةً لتقييد الآية من سورة النور لكنَّها ضعيفة السند فلا تصلح للتقييد كما لا تصلح لمعارضة صحيحة مسمع، ودعوى الانجبار لا تصح لعدم إحراز عمل مشهور القدماء بها لمخالفة العديد منهم على أنَّ من غير المحرز أنَّ جميع من أفتى بثبوت حدَّ الزنا على الزوجة لشهادة أربعة أحدهم زوجها قد اعتمد رواية نعيم بن إبراهيم، فلعلَّ مستند بعضهم اطلاقاتُ ما دلَّ على ثبوت حدَّ الزنا بشهادة أربعةٍ من العدول.
والمتحصل أنَّ الصحيح ظاهراً هو أنَّ الزوج إذا كان ضمن الشهود الأربعة لم يثبت حدُّ الزنا على الزوجة ويتعيَّن حدُّ الشهود الثلاثة بحدِّ القذف ويكون على الزوج أنْ يُلاعن أو يُقام عليه حدُّ القذف تماماً كما لو كان هو المدَّعي وتقدم بالدعوى وجاء بعدها بثلاثة شهود.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
22 من ذي القعدة 1446ه
20 مايو 2925م
--------------------
1- جواهر الكلام - الشيخ حسن النجفي- ج41/ 365.
2- وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج22/ 431.
3- كشف اللثام – الفاضل الهندي- ج8/ 330.
4- وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج22/ 432.
5- وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج22/ 432.
6- سورة النور : 6.
7- سورة النور: 4.