استحباب ذبح الفداء ومطلق الصدقة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل جاء في روايات آل البيت (ع) استحباب ذبح الفداء لدفع البلاء؟
الجواب:
الوارد في روايات أهل البيت (ع) هو استحباب إراقة الدماء بمعنى ذبح الذبائح وإطعامها للمؤمنين والتصدُّق بها على الفقراء، فمِن ذلك ما ورد في موثَّقة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (ع) قَالَ: "إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يُحِبُّ إِطْعَامَ الطَّعَامِ وإِرَاقَةَ الدِّمَاءِ"(1).
ومن ذلك أيضاً رواية أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (ع) قَالَ: "إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى يُحِبُّ إِهْرَاقَ الدِّمَاءِ وإِطْعَامَ الطَّعَامِ"(2).
وقد ورد في المستفيض عن أهل البيت (ع) أنَّ الصدقة تدفع البلاء، ولذلك يكون ذبح الذبائح والتصدُّق بها على الفقراء يدفع البلاء إنْ شاء الله تعالى إلا أنَّ ذلك لا يختصُّ بذبح الذبائح بل إنَّ مطلق الصدقة تدفع البلاء سواءً كانت من قبيل التصدُّق باللحم أو كانت من قبيل التصدُّق بالنقد أو الثياب أو غيرها من الأعيان.
فممَّا ورد في أنَّ مطلق الصدقة تدفع البلاء:
ما رواه الكليني في الكافي بسندٍ معتبر عن السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِه (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): إِنَّ اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَيَدْفَعُ بِالصَّدَقَةِ الدَّاءَ والدُّبَيْلَةَ والْحَرَقَ والْغَرَقَ والْهَدْمَ والْجُنُونَ وعَدَّ (ص) سَبْعِينَ بَاباً مِنَ السُّوءِ"(3).
أقول: الدُبيلة على وزن جُهينة تطلق ويراد منها الطاعون والوباء، وقد تُطلق على الداهية، وكذلك تطلق على مرض يكون من آثاره ظهور الدمَّل الكبيرة والخراج في الجوف أو الظهر أو قي باطن الجنب وتنفجر إلى الداخل وقلَّما يسلم المبتلى بها.
ومفاد الرواية أنَّ الصدقة تدفعُ عن صاحبها الأدواء والداء العضال كالدُبيلة وكذلك تدفع عن صاحبها وكذلك تدفع عن صاحبها ميتة السوء كالموت بالْحَرَقَ والْغَرَقَ أو الموت بسقوط جدار أو شبهه عليه كما تدفع الصدقة عن صاحبها الابتلاء بالجنون والغصابة بمثل الخرَف والتخليط وعَدَّ (ص) سَبْعِينَ بَاباً مِنَ السُّوءِ بحسب الرواية. ومعنى أن الصدقة تدفع هذه الأسواء هو أنَّها تقتضي ذلك ما لم يمنع من اقتضائها مانع.
ومنها: صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: الصَّدَقَةُ بِالْيَدِ تَقِي مِيتَةَ السَّوْءِ وتَدْفَعُ سَبْعِينَ نَوْعاً مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ وتُفَكُّ عَنْ لُحِيِّ سَبْعِينَ شَيْطَاناً كُلُّهُمْ يَأْمُرُه أَنْ لَا يَفْعَلَ"(4).
أقول: ميتة السوء هي مثل الموت بالغرق أو الحرق أو افتراس سبع، ومفاد قوله (ع): "وتُفَكُّ عَنْ لُحِيِّ سَبْعِينَ شَيْطَاناً .." هو أنَّ الصدقة تُرغم الشياطين الذين يجهدون من أجل تثبيط الإنسان عن أداء الصدقة ويحذرونه من الفقر والنقص كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(5).
ومنها: معتبرة السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ (ع): كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ بِهَا عَنْ الرَّجُلِ الظَّلُومِ"(6).
أقول: مفاد ظاهر الرواية أنَّ الصدقة تدفعُ عن المتصدِّق ما قد يصلُه من أذى وشرور الرجل الظلوم سواءً كان سلطاناً جائراً أو غيره كالزوج الظلوم أو القريب الظلوم أو الجار الظلوم أو المخالط الظلوم.
ومنها: معتبرة حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيه عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتَدْفَعُ سَبْعِينَ بَلِيَّةً مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا مَعَ مِيتَةِ السَّوْءِ إِنَّ صَاحِبَهَا لَا يَمُوتُ مِيتَةَ السَّوْءِ أَبَداً مَعَ مَا يُدَّخَرُ لِصَاحِبِهَا فِي الآخِرَةِ"(7).
ومنها: رواية أَبِي وَلَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: بَكِّرُوا بِالصَّدَقَةِ وارْغَبُوا فِيهَا، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ يُرِيدُ بِهَا مَا عِنْدَ اللَّه لِيَدْفَعَ اللَّه بِهَا عَنْه شَرَّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا وَقَاه اللَّه شَرَّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ"(8).
أقول: معنى: قوله (ع): "وارْغَبُوا فِيهَا" هو الوصيَّة بأنّْ يكون إخراج الصدقة عن رغبة وطيب نفس وقصد للتقرُّب من الله تعالى فلا يشوب ذلك تضجر وشعور بالغُرم والخسارة، ولعلَّه لذلك شنَّع القرآن المجيد على من يرى ما ينفق مغرماً كما في قوله تعالى:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(9) وفي مقابل ذلك مَن يتخذ ما ينفق قربات المستلزم لطيب النفس والرغبة في الإنفاق قال تعالى:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(10).
ولعلَّ المراد من قوله (ع): "وارْغَبُوا فِيهَا" هو الحثُّ على الإكثار من الصدقة لأنَّ الرغبة تبعثُ بطبعها على أن يكون هذا العمل المحبوب سجيةً، فذلك هو ما يُؤثِّر في أنْ يدفع الله بالصدقة شرَّ ما ينزل من السماء من آفات، ويقي شرَّ ما هو مقدَّر من البلاء والمحن المخوفة والمحذورة.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
26 / مايو / 2021م
1- الكافي -الكليني- ج4 / ص51.
2- الكافي -الكليني- ج4 / ص51.
3- الكافي -الكليني- ج4 / ص5، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج9 / ص386.
4- الكافي -الكليني- ج4 / ص3، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج9 / ص377.
5- سورة البقرة / 268.
6- الكافي -الكليني- ج4 / ص5، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج9 / ص386.
7- الكافي -الكليني- ج4 / ص5، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج9 / ص387.
8- الكافي -الكليني- ج4 / ص6، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج9 / ص384.
9- سورة التوبة / 98.
10- سورة التوبة / 99.