التخلُّل بالقصَب

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

رواية عن الامام الصادق عليه السلام: "من تخلل بالقصب لم تُقضَ له حاجة ستة أيام".

هل هذه الرواية صحيحة؟ وهل العود المتعارف عليه في البيوت والمطاعم للتخلُّل هو نفسه عود القصب؟

حفظكم الله

الجواب:

التخلُّل بالقصَب منهيٌّ عنه في العديد من الروايات المأثورة عن الرسول الكريم (ص) وعن أهل بيته (ع).

والقصب يُطلق على كلِّ نبات ساقه على هيئة الأنابيب كقصب السكر والخيزران، والكثير من أنواعه يكون مجوفاُ وذا عُقدٍ صلبة، ويتميَّز بأنَّ قشره صلبٌ وقاس، ولهذا تُصنع منه البواري والحصُر التي تُسقَّف بها البيوت في الزمن الماضي، وكذلك تُستعمل البواري كحواجز، وتُفرش بها الأرض الرطبة، وكان المتعارف سابقاً وضعها في القبر لصلابتها وعدم تأثُّرها بالرطوبة، والقصَب إذا تمَّ نشره عمودياً فأنَّ طرفه يكون حادَّاً كالسكين، ولهذا يُستعمل لذبح الطيور والحيوانات الصغيرة، فهو لا يصلح للتخليل لقساوته وحدَّة أطرافه، ولعلَّه لذلك ذكر ابن منظور في لسان العرب: "أَن رجلًا تَخَلَّلَ بالقَصَبِ فَنَفَرَ فُوه"(1) أي وَرِم فمُه وتقرَّح.

وأمَّا الرواية المذكورة فهي مرسَلة لذلك فهي ضعيفة السند بالأرسال أوردها الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي بسنده عن يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَمَّنْ ذَكَرَه عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "مَنْ تَخَلَّلَ بِالْقَصَبِ لَمْ تُقْضَ لَه حَاجَةٌ سِتَّةَ أَيَّامٍ"(2) إلا أنَّ ثمة رواياتٌ أُخرى عديدة نهَتْ عن التخلُّل بالقصَب، وفيها ما هو معتبرٌ سنداً:

فمِن ذلك ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّه (ص) أَنْ يُتَخَلَّلَ بِالْقَصَبِ والرَّيْحَانِ"(3).

ومنها: رواية عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ (ص) يَتَخَلَّلُ بِكُلِّ مَا أَصَابَ مَا خَلَا الْخُوصَ والْقَصَبَ"(4) والخوص سعفُ النخل.

ومنها: ما رُوي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الصادق (ع) قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّه (ص) عَنِ التَّخَلُّلِ بِالرُّمَّانِ والآسِ والْقَصَبِ، وقَالَ(ص): إِنَّهُنَّ يُحَرِّكْنَ عِرْقَ الآكِلَةِ"(5).

أي أنَّه (ص) نهى عن التخلُّل بالأعواد المتَّخذة من أغصان شجر الرمان وشجر الآس، والآس شجرةٌ ورقُها معطَّر، وأفاد (ص) -بحسب الرواية- أنَّها قد تتسبَّب في الابتلاء بداء الآكلة، وهو داء يُصيب الجلد يبعث على الحكَّة، ومن أثره تقرُّح الموضع المُصاب.

ومنها: ما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "لا تخلَّلوا بالقصَب، فإنْ كان ولا محالة فلتُنزع اللِّيطة"(6) والمراد من اللِّيطة هي قشرة القصَب، ومفاد الرواية أنَّه إذا أضطُر إلى التخلُّل بالقصَب فليكنْ ذلك بعد نزع القشرة الظاهرة، وذلك لحدَّتها وقساوتها، فقد يُؤدِّي استعمالها في تخليل الأسنان دون نزع القشرة إلى جرح اللِّثة أو تقرُّحها.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

27 / ذي القعدة / 1446ه

25 / مايو / 2025م

 


1- لسان العرب -ابن منظور- ج5 / ص227.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص377، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص423.

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص377، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص424.

4- الكافي -الكليني- ج6 / ص377، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص424.

5- الكافي -الكليني- ج6 / ص377، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص424.

6- مستدرك الوسائل -النوري- ج16 / ص320.