عبدي أطعني تكنْ مثلي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

سماحة الشيخ: وما رأيكم في مفاد بعض الروايات: "عبدي أطعني تكون مثلي أنا أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون" وخاصة أنَّ المعنى أن الله مجرد يريد، يحدث ما يريد.

وهل ثبت لكم صحة بعض الروايات أو الأقوال التي تُفيد أنَّ المؤمن قد يمشي على الماء؟

الجواب:

لم أقف على هذا النص بلفظه ولكن وجدتُ ما يقرب من معناه في كتاب التحفة السنيَّة في الأحاديث القدسية للحرِّ العاملي رحمه الله تعالى: قال: وورد في الحديث القدسيّ: يا بن آدم، أنا غنيّ لا أفتقر، أطعني فيما أمرتُك أجعلك غنيّا لا تفتقر. يا ابن آدم أنا حيّ لا أموت، أطعني فيما أمرتُك أجعلك حيَّاً لا تموت، أنا أقولُ للشيء كن فيكون، أطعني فيما أمرتُك أجعلُك تقولُ للشيء: كنْ فيكون"(1).

وهذا الحديث ينقله الحرُّ العاملي رحمه الله من عدَّة الداعي لابن فهد الحلِّي رحمه الله تعالى(2).

وكذلك نقل الحرُّ العاملي في التحفة السنيَّة حديثين قُدسيَّين قريبين من هذا المضمون عن الحافظ البرسي قال: وروى الحافظ البرسي قال: ورد في الحديث القدسي عن الرب العليِّ أنَّه يقول: "عبدي أطعني أجعلُك مثلي: أنا حيٌّ لا أموت أجعلُك حيَّاً لا تموت، أنا غنيٌّ لا افتقر أجعلك غنيَّاً لا تفتقر، أنا مهما أشاءُ يكون أجعلُك مهما تشاءُ يكون" التحفة السنية(3).

ومنه (أي من الحديث القدسي): "إنَّ لله عباداً أطاعوه فيما أراد، فأطاعهم فيما أرادوا، يقولونَ للشيء: كن، فيكون"(4).

التعليق على مستند الحديث ومفاده:

هذه الروايات مرسَلة لا اعتبار بها ولكنَّ مضمونها ليس منكراً بناءً على استظهار إرادة أنَّ المطيع لله تعالى يكون مستجابَ الدعوة. وأما لو كان المراد منها صيرورة العبد بالطاعة مثل الله جلَّ وعلا في قدرته المطلقة وإرادته الناجزة التي لا يحدُّها شيء ولا يحولُ دونها شيء فهو الشركُ بالله العظيم الذي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ / لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..﴾(5) 

ولو كان معنى: "أجعلك حيَّا لا تموت" هو أنَّ المطيع لله تعالى بعد موته وانتقاله من دار الدنيا يكون من الأحياء عند ربِّهم يُرزقون. فهو معنىً صحيح، وأمَّا ما عدا ذلك فهو مناقضٌ لمثل قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾(6) فإذا كان الموتُ حتماً على سيِّد الخلق (ص) وأشدِّهم طاعةً لله تعالى فغيره أجدرُ بهذا المآل.

وكذلك فإنَّ المعنى المذكور مناقضٌ لمثل قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾(7) وقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾(8).

ولو كان معنى: "أجعلك غنيّاً لا تفتقر" أنَّ العبد إذا أطاع الله تعالى يُصبح قانعاً راضياً بما أعطاه الله وبما قدَّره له، لا يتضعضعُ لأحد، ويستمدُّ الكفاية من الله جلَّ وعلا وحده ويستشعر القناعة بما رزقه الله تعالى، فهذا المعنى للغِنى الذي لا فقر معه صحيح، كما ورد في المأثور عن أمير المؤمنين(ع) "القانع غنيٌّ وإنْ جاع وعرى"(9) و"القناعة رأسُ الغنى"(10) "ولا كنزَ أغنى من القناعة"(11) فغِنى هذا المطيع مستمدُّ من التسليم والتفويض والرضا بالغنيِّ المطلق جلَّ وعلا.

فلو كان هذا هو المراد أو ما يقربُ منه لم يكن في معنى الحديث بأس وإلا فهو حديثٌ منكَر لمنافاته لضرورة العقل، فالإنسانُ من الوجودات الممكنة المفتقِرة حدوثاً وبقاءً لله جلَّ وعلا كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾(12).

المشي على الماء:

وأمَّا المشي على الماء فلا محذور عقلاً من أن يُمكِّن الله تعالى بعض عباده من ذلك، فإنَّ ظهور الكرامات على يد الأولياء أمرٌ ثابت في الجملة إلا أنَّ ذلك يتمُّ من طريق الدعاء والاستعانة بالله تعالى، ولعلَّ ما أورده الشيخُ الكليني في الكافي بسندٍ معتبر يصلحُ شاهداً على ذلك قال رحمه الله عن: عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: اتَّقُوا اللَّه ولَا يَحْسُدْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ مِنْ شَرَائِعِه السَّيْحُ فِي الْبِلَادِ، فَخَرَجَ فِي بَعْضِ سَيْحِه ومَعَه رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِه قَصِيرٌ، وكَانَ كَثِيرَ اللُّزُومِ لِعِيسَى (ع) فَلَمَّا انْتَهَى عِيسَى إِلَى الْبَحْرِ قَالَ: بِسْمِ اللَّه بِصِحَّةِ يَقِينٍ مِنْه، فَمَشَى عَلَى ظَهْرِ الْمَاءِ فَقَالَ الرَّجُلُ الْقَصِيرُ حِينَ نَظَرَ إِلَى عِيسَى (ع) جَازَه: بِسْمِ اللَّه بِصِحَّةِ يَقِينٍ مِنْه، فَمَشَى عَلَى الْمَاءِ ولَحِقَ بِعِيسَى (ع) فَدَخَلَه الْعُجْبُ بِنَفْسِه، فَقَالَ: هَذَا عِيسَى رُوحُ اللَّه يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ وأَنَا أَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، فَمَا فَضْلُه عَلَيَّ قَالَ: فَرُمِسَ فِي الْمَاءِ فَاسْتَغَاثَ بِعِيسَى فَتَنَاوَلَه مِنَ الْمَاءِ، فَأَخْرَجَه ثُمَّ قَالَ لَه: مَا قُلْتَ يَا قَصِيرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: هَذَا رُوحُ اللَّه يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ وأَنَا أَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ عُجْبٌ فَقَالَ لَه عِيسَى: لَقَدْ وَضَعْتَ نَفْسَكَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّه فِيه فَمَقَتَكَ اللَّه عَلَى مَا قُلْتَ فَتُبْ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ مِمَّا قُلْتَ قَالَ: فَتَابَ الرَّجُلُ وعَادَ إِلَى مَرْتَبَتِه الَّتِي وَضَعَه اللَّه فِيهَا، فَاتَّقُوا اللَّه ولَا يَحْسُدَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً"(13).

فصاحبُ عيسى (ع) كان من حوارييه والملازمين له في سياحته كما يظهر من الرواية، وهو إنَّما مشى على الماء بعد الاستعانة بالله تعالى، فقال كما قال عيسى (ع): "بِسْمِ اللَّه بِصِحَّةِ يَقِينٍ مِنْه" فهو قد استعانَ باسم الله تعالى، وكان على يقينٍ بالله وأنَّ المشيَ على الماء إنَّما يكون بإقدار الله وتمكينه، فحين كان قلبُه عامراً باليقين أكرمَه اللهُ جلَّ وعلا فمكَّنه من المشي على الماء، وحين ساوره العجب ونظر إلى ذاته وشعر بشيءٍ من الاستقلال سلبَه الله تعالى ما كان قد منحَه إيَّاه من كرامة.

فالخوارقُ كرامةٌ من الله جلَّ وعلا ليس لأحدٍ من عباد الله وليَّاً كان أو نبيَّاً أنْ يستقلَّ في إيجادِها، فكما أنَّ الإنسان لا يأكلُ ولا يشربُ إلا بإقدار الله وتمكينه كذلك لا تظهرُ الخوارقُ على يدِ النبيِّ أو الولي إلا بإقدار الله وتمكينه، غايته أنَّ الوليَّ كريمٌ على الله ووجيهٌ عنده لذلك يمنحُه من كرامتِه فيُظهِرُ الخوارقَ على يديه، وأمَّا النبيُّ وكذلك الامام فمضافاً الى أنَّه عظيمُ الشأن عند الله تعالى فإنَّ إظهار اللهِ تعالى الخوارقَ على يديه يكون لغرض الهداية والاحتجاج.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

2 / ذي الحجة / 1446ه

30 / مايو / 2025م

 


1- التحفة السنيَّة في الأحاديث القدسيَّة -الحر العاملي- ص363.

2- عدَّة الداعي -ابن فهد الحلي- ص291.

3- التحفة السنيَّة في الأحاديث القدسيَّة -الحر العاملي- ص361.

4- التحفة السنيَّة في الأحاديث القدسيَّة -الحر العاملي- ص361.

5- سورة الشورى / 11-12. 

6- سورة الزمر / 30.

7- سورة القصص / 88.

8- سورة آل عمران / 185.

9- مستدرك الوسائل -النوري- ص228.

10- عيون الحكم والمواعظ -الواسطي- ص44.

11- نهج البلاغة -خطب الإمام علي (ع)- ص540.

12- سورة فاطر / 15.

13- الكافي -الكليني- ج2 / ص306.