حبيب شيخ الأنصار
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
السلام عليكم
هل صحيح أنَّ حبيب بن مظاهر الأسدي لُقِّب بشيخ الأنصار لأنَّه كان أكبر أنصار الحسين سنَّاً؟ وهل صح أنَّه قد بلغ التسعين من عمره يوم كربلاء وأنه كان يشدُّ حاجبيه بعصابة لأنَّهما كانا ينزلان علىٰ عينيه بسبب كبر سنِّه؟
الجواب:
الذي قيل إنَّه كان متقدما في السن وكان يشدُّ حاجبيه عن عينيه بعصابة هو جابر بن عروة الغفاري ذكر ذلك الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم الرجال وقال: -إن جابر بن عروة الأنصاري كان- "من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد بدرا وغيرها، وكان شيخا كبيرا تعصب بعصابة ترفع حاجبيه عن عينيه، فلما رأى غربة مولانا الحسين صلوات الله عليه استأذن فقال له الحسين: شكر الله سعيك يا شيخ. فقاتل وقتلَ جمعاً حتى استُشهد بين يديه" ثم أفاد رحمه الله أنَّه نقل ما ذكره عن كتاب الناسخ وأن صاحب كتاب الناسخ نقله عن أبي مخنف(1).
والظاهر أنَّ الرجل هو ذاتُه الذي ذكره القندوزي الحنفي -في ينابيع المودة- بعنوان عروة الغفاري حيث أفاد بقوله: ثم برز عروة الغفاري وكان شيخا كبيراً شهد بدرا وحنين وصفين، وقال له الحسين: "شكر الله لك أفعالك يا شيخ" .. ثم قتل رضوان الله عليه"(2).
وعلى أيِّ تقدير فالرجل بكلا العنوانين لم نجد له ذكراً في المصادر المتقدِّمة ضمن أنصار الحسين (ع) نعم أفاد ابن شهراشوب رحمه الله أنَّ ثمة رجلاً اسمه عبد الله بن عروة الغفاري كان ممَّن استُشهد مع الإمام الحسين (ع) في الحملة الأولى(3) والظاهر أنَّه ذاته الذي ذكره الشيخ الصدوق في الأمالي وأفاد في سياق تعداد وقائع مقتل الحسين (ع) أنَّه "برز بعد مقتل حبيب بن مظاهر "عبد الله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول:
قد علمت حقا بنو غفار ** أني أذب في طلاب الثار
بالمشرفي والقنا الخطار(4) وذكر ذلك أيضاً الفتال النيسابوري في روضة الواعظين(5).
والظاهر أنَّ هذا الرجل ليس هو عبد الله الغفاري الذي قُتل مع أخيه عبد الرحمن والمعبَّر عنهما بالغفاريين وورد التسليم عليهما في زيارة الناحية(6) وإنْ كان يحتمل اتِّحاده مع عبد الله بن عروة الغفاري الذي ذكره الشيخ الصدوق ولعلَّنا نفصِّل ذلك في وقتٍ لاحق إن شاء الله تعالى.
وخلاصة القول إنَّ الذي قيل إنَّه شدَّ حاجبيه بعصابة عن عينيه لتقدُّمه في السنِّ هو جابر بن عروة الغفاري وأما حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه فلم نجد من نسب له ذلك، نعم كان حبيب بن مظاهر أو ابن مظهِّر -كما هو الأرجح- شيخاً كبيراً ولعلَّ عمره الشريف قد تجاوز السبعين فقد أفاد السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة أنَّ عمره الشريف يوم استشهاده بلغ خمساً وسبعين سنة إلا أنَّه نسب هذا القول إلى بعض المصادر المتأخرة(7) ولم نجد في المصادر المتقدِّمة مَن تصدى لتحديد مبلغ عمره.
هذا وقد نُسب إلى ابن الكلبي في جمهرة النسب أنَّه كان صحابياً وقال عنه ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة: "له إدراكٌ وعمر حتى قتل مع الحسين بن علي ذكره بن الكلبي"(8) ومعنى ذلك أنَّه أدرك الرسول (ص) وأنَّه تقدَّم في العمر.
وأفاد ذلك أيضاً يحيى بن حسين الحسني الشجري الجرجاني، في كتابه الأمالي (الأمالي الخميسية)(9) أنَّ حبيب بين مظاهر كانت له صحبة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وكذلك عدَّه حميد بن أحمد المحلي في الحدائق الورديَّة من الصحابة قال: وكانت له صحبة من رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم(10).
نعم لم يذكره الشيخ الطوسي ضمْن أصحاب النبيِّ (ص) وإنَّما ذكره في الرجال ضمن أصحاب أمير المؤمنين (ع)(11) وكذلك البرقي ذكره في أصحاب أمير المؤمنين (ع) وأفاد أنَّه كان من شرطة الخميس(12) الذين ورد أنَّ أمير المؤمنين (ع) قال لهم: "تشرَّطوا إنَّما أشارطكم على الجنَّة، ولستُ أشارطكم على ذهبٍ ولا فضة، إنَّ نبينا صلَّى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه فيما مضى: تشرَّطوا فإنِّي لستُ أشارطكم إلا على الجنَّة"(13) وورد في رجال البرقي أنَّ أمير المؤمنين (ع) قال لأحد أفراد شرطة الخميس: "لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، واللهُ سمَّاكم في السماء شرطة الخميس على لسان نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم"(14).
وورد عن الأصبغ بن نباتة -وكان من شرطة الخميس كما في رجال الكشي- أنَّه سُئل فقيل له: كيف سُميتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال: إنَّا ضمِّنا له الذبح وضمِنَ لنا الفتح، يعنى أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه )(15).
وكان حبيب -كما في رجال الكشي- من السبعين الرجال الذين نصروا الحسينَ عليه السلام ولقوا جبال الحديد، واستقبلوا الرماحَ بصدورهم تم، والسيوف بوجوههم، وهم يُعرَضُ عليهم الأمان والأموال فيأبون، ويقولون: لا عذرَ لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إنْ قُتل الحسينُ ومنا عينٌ تطرف حتى قُتلوا حولَه"(16).
كان حبيب شيخ الأنصار:
وأمَّا أنَّ حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه كان شيخ الأنصار فالظاهر أنَّه كان كذلك فمضافاً إلى أنَّه كان مقدَّماً في قومه، وكان من شرطة الخميس الذين عاهدوا عليَّاً(ع) على الموت، وكان من خواصِّ أمير المؤمنين (ع) وأصفيائه(17) الذين أخذوا عنه علم المنايا والبلايا(18) فمضافاً إلى كلِّ ذلك فإنَّ الحسين (ع) قد جعله قائداً على ميسرة أصحابه(19) وحين قُتل هَدَّ قتلُه الحسينَ(ع) وقال عند ذلك: "أحتسبُ نفسي وحماةَ أصحابي"(20).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
6 / محرم الحرام / 1447ه
2 / يوليو / 2025م
1- مستدركات علم الرجال -النمازي الشاهرودي- ج2 / ص103.
2- ينابيع المودة -القندوزي الحنفي- ج3 / ص74.
3- مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص260.
4- الأمالي -الصدوق- ص224.
5- روضة الواعظين -الفتال النيسابوري- ص178.
6- المزار -المشهدي- ص498، إقبال الأعمال- السيد ابن طاووس- ج3 / ص78.
7- أعيان الشيعى -السيد محسن الأمين- ج4 / ص554.
8- الإصابة في تمييز الصحابة -ابن حجر- ج2 / ص142،
9- الأمالي (الأمالي الخميسية) -يحيى بن حسين الحسني الشجري الجرجاني - ج1 / ص226.
10- الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية -حميد بن أحمد المحلي- ج1 / ص210.
11- الرجال -الشيخ الطوسي- ص60.
12- الخميس: الجيش سمي به لأنه ينقسم إلى خمسة أقسام، المقدمة، والساقة، والميمنة والميسرة، والقلب - والشرط الأقوياء الذين يتقدمون الجيش كأنهم شرطوا على عدم الرجوع حتى يفتحوا أو يُقتلوا" ذكر ذلك الشيخ محمد تقي المجلسي في روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج6 / ص75.
13- الرجال -أحمد بن محمد بن خالد البرقي- ص3، 4. الاختصاص -المفيد- ص3.
14- الرجال -أحمد بن محمد بن خالد البرقي- ص4، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الشيخ الطوسي- ج1 / ص24.
15- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الشيخ الطوسي- ج1 / ص321. الاختصاص -الشيخ المفيد- ص65.
16- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الشيخ الطوسي- ج1 / ص293.
17- الاختصاص -المفيد- ص3.
18- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الشيخ الطوسي- ج1 / ص292.
19- الإرشاد -المفيد- ج2 / ص95، أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص187، تاريخ الطبري -الطبري- ج4/ ص320.
20- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص335، الكامل في التأريخ -ابن الأثير- ج4 / ص71، مقتل الحسين (ع) -الخوارزمي- ج2 / ص22.