الاستصحاب أمارة أو أصل؟
المسألة:
اختلف الأصوليون في كون الاستصحاب أمارة أو أصلاً عملياً، فما هو مرد هذا الخلاف؟
الجواب:
مردُّ الاختلاف هو الخلاف بينهم فيما هو المجعول في حجيَّة الاستصحاب فإن قلنا إنَّ المجعول في باب الاستصحاب الطريقية أي اعتبار الشك في بقاء الموضوع أو الحكم علماً ببقائه تعبداً فالاستصحاب حينئذٍ سيكون من الامارات شأنه شأن خبر الواحد الذي اعتُبر الظن بمطابقة مفاده للواقع علماً تعبداً.
فدليل الاستصحاب لما كان مفاده النهي عن نقض اليقين بالشك والأمر بإبقاء اليقين في ظرف الشك فذلك يقتضي اعتبار الشك اللاحق يقناً، فكما انه لو كان المكلف متيقناً بالحكم أو الموضوع لرتَّب الأثر يلزمه ترتيب الأثر في ظرف الشك، لأن الشك المسبوق باليقين يقين اعتباراً وتعبداً.
وكذلك يكون الاستصحاب أمارة لو قلنا بأن منشأ جعل الحجيَّة للاستصحاب هو كاشفية اليقين السابق على بقاء المتيقَّن في ظرف الشك لاحقاً، فوجود اليقين بالشيء في الآن السابق كاشف ظناً عن بقاء ذلك الشيء في ظرف الشك لاحقاً فالكاشفية الظنية هي مستند جعل الحجيَّة للاستصحاب إما على أساس انَّ السيرة العقلائية قاضية باعتبار الظنون حجة مطلقاً كما هو رأي بعض العامة أو على أساس ان الشارع قد تمَّم الكاشفية الظنية للاستصحاب فجعله بمنزلة الكاشف التام أو على أساس انَّ الشارع جعل له الحجية تعبداً دون ان يُتمِّم له الكاشفية.
وأما بناء على انَّ المجعول في الاستصحاب هو الحجية في مقام الجري، فلم يعتبر الشارع الحالة السابقة المتيقَّنة بمنزلة العلم التعبدي ولم يكن منشأ جعل الحجية للاستصحاب هو كاشفية الحالة السابقة على البقاء في ظرف الشك وإنما اعتبر الحكم في ظرف الشك على طبق الحكم في ظرف اليقين تعبداً.
وبتعبير آخر: لو كان جعل الاستصحاب بمعنى ان الشارع جعل الحكم في فرض الشك المسبوق بالعلم على طبق الحكم الثابت حين العلم فالاستصحاب حينئذٍ يكون أصلاً لان جعل الاستصحاب بناء على ذلك يكون من جهة الجري العملي وبيان الوظيفة العملية في فرض الشك. فلم تكن الجهة الملحوظة والمجعولة هي الكاشفية كما هو الشأن في الإمارات. بل حتى لو قلنا إنَّ الكاشفية كانت ملحوظة ولكنها لم تكن وحدها منشأً للجعل وإنما كان لها دخل في جعل الوظيفة على طبق المتيقَّن السابق فالاستصحاب رغم ذلك يكون من الأصول ولكنه يكون من الأصول المحرزة.
وتفصيل البحث في محله.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور