تعليم غير المعذور في جهله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
يذهب السيد الحكيم في مستمسكه في مبحث وجوب تعليم الجاهل إلى عدم وجوب تعليم الجاهل بالجهل الذي لا يُعذر فيه، فما هو وجه ذلك مع إطلاق الأدلة وحصول الغرض من التعليم؟ فلم أجد النكتة واضحة في كلامه؟
الجواب:
الوجهُ الذي أفاده السيِّد في المستمسك لعدم إيجاب تعليم الجاهل الذي لا يُعذر في جهله هو أنَّ آية النفْر التي استُدل بها على وجوب تعليم الجاهل ظاهرةٌ في أنَّ الوجوب إنَّما يثبت في فرض اقتضاء التعليم لإحداث الداعي للعمل عند المتعلِّم، وذلك يتحقَّق في مثل المكلَّف الغافل عن الحكم أو القاطع جهلاً بالخلاف أو المتردِّد المعذور في تردُّده.
وأما الجاهل الذي لا يترتَّب على تعليمه حدوثُ داعٍ في نفسه للعمل بالحكم كالذي تعلمُ من حاله عدم المبالاة بالحكم حتى لو علِمَ به فهذا ممَّن لا يجب تعليمه، وذلك لأنَّ الظاهر من الأمر بالإنذار هو ما له اقتضاء التأثير، فهو ليس أمراً تعبُّدياً صرفاً على العالم بقطع النظر عن ترتُّب أثرٍ عليه أو لا.
ولذلك لو كان العالم بالحكم ممَّن لا يُصغى لإنذاره وتعليمه كما لو كان غريباً غير معروف بالعلم وكان من المُحرَز عدم ترتُّب أثرٍ على إنذاره وتعليمه فإنَّ مثل هذا العالم غير مخاطَبٍ بوجوب الإنذار.
فمقصود السيد (رحمه الله) ظاهراً من الجاهل غير المعذور في جهله هو الجاهل الذي يكون تعليمه وعدمه سيَّان من جهة ترتُّب الأثر المُنتظَر من التعليم وهو حدوث الداعي للعمل بالحكم. وليس مقصوده الجاهل غير المعذور نظراً لإهماله مثلاً ولكنَّه لو علم لكان ذلك مقتضياً لحدوث داعٍ في نفسه للعمل.
ثم إنَّ دعوى وجوب تعليم الجاهل ليست تامَّة لو كان المراد منها وجوب التصدِّي الشخصي لتعليم كلِّ فردٍ من أفراد المكلَّفين، وأقصى ما قام الدليلُ عليه هو وجوب التصدِّي لبيان الأحكام وتبليغها بنحوٍ لا يُخشى معه من اِندراس الأحكام وبمستوىً يكون قاطعاً للعذر بنظر العقلاء.
وهذا يتحقَّق بواسطة النشر للأحكام والتصدِّي العام لتبيانها وتوضيحها بنحوٍ لا يكون معه عذرٌ لمعتذرٍ بالجهل.
وأمارةُ ذلك أنّه لم يُعهَد من الأئمة المعصومين (ع) ولا مِن أصحابهم ولا من المتشرِّعة التصدِّي لأكثر من ذلك، ويكفى ذلك قرينةً على أنَّ المراد من الخطابات الآمرة بالتعليم هو التعليم المقتضي لحفظ معالم الشريعة والقاطع لعذر كلِّ معتذرٍ بالجهل.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور