النظر للمرأة لغرض التزويج
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
المسألة الأولى:
هل يجوز للرجل النظر للمرأة إذا أراد التزوج منها؟ وما هو مقدار ما يجوز النظر من جسدها؟
الجواب:
لم يقع خلاف بين الفقهاء في جواز النظر للمرأة التي يريد التزوج منها، نعم وقع الخلاف في أمرين:
الأول: في مقدار ما يجوز النظر إليه.
الثاني: في بعض شرائط الجواز.
أما الأول فالقدر المتيقن ممَّا يجوز النظر إليه هو الوجه والكفان، وأما الذي تقتضيه الأدلة فهو جواز النظر إلى ما هو أوسع من ذلك، فيجوز النظر إلى شعرها ومعصمها وهو موضع السوار من الساعد وساقيها. فقد ورد في معتبرة هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري عن أبي عبدالله (ع) قال: "لا بأس أنْ ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها"(1).
وورد في معتبرة عبدالله بن سنان قال: قلتُ لأبي عبدالله (ع) الرجل يُريد أنْ يتزوج المرأة أينظر إلى شعرها؟ فقال (ع): "نعم .."(2).
وورد في معتبرة سنان بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (ع): "في رجلٍ ينظر إلى محاسن امراةٍ يُريد أن يتزوَّجها، قال (ع): "لا بأس"(3).
ومن إطلاق هذه الرواية المعتبرة يُستفاد جواز النظر إلى الساقين لأنَّهما من المحاسن بل لا يبعد جواز النظر إلى الرقبة أيضاً باعتبارها من محاسن المرأة.
المسألة الثانية:
وهل يجوز النظر إلى ما هو أوسع من ذلك؟
الجواب:
الظاهر عدم الجواز، وذلك لأنَّ في الأصل هو عدم جواز النظر إلى الأجنبية خرجنا عن إطلاق الحرمة وقلنا بالجواز في هذا المورد بسبب ما ورد من جواز النظر عند إرادة التزوج والظاهر من هذه الروايات أنَّ الجواز إنَّما هو لغرض رفع الغبن والتعرُّف على حال المرأة وهو يتحقَّق بالنظر إلى ما ذكرناه، فلا يكون لهذه الروايات إطلاق يُصحِّح النظر إلى أوسع مما ذكرناه كالنظر إلى صدر المرأة مثلاً. على أنَّ في موثقة يونس بن يعقوب ما يُعِّبر عن عدم اطلاق الجواز وأن الذي يجوز النظر إليه هو ما ترتفع به الجهالة والغبن، قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الرجل يريد أنْ يتزوج المرأة وأحبَّ أن ينظر إليها، قال (ع): "تحتجز ثم لتقعد، وليدخل فلينظر، قال تقوم حتى ينظر إليها قال (ع): نعم قلتُ: فتمشي بين يديه، قال: ما أحبُّ أن تفعل"(4). فإن الأمر بالاحتجاز يُعبر عن عدم جواز النظر إلى مطلق البدن وإما جواز النظر إليها وهي قائمة أو وهي تمشي إنَّما هو للتعرُّف على طولها وحجمها ولكن ذلك من وراء الثياب.
شرائط جواز النظر:
وأمَّا الثاني ففي شرائط جواز النظر إلى المرأة التي يراد التزوج منها، وقد ذُكرت لذلك مجموعة من الشرائط بعضها مورد اتفاق، والبعض الأخر مورد اختلاف بين الفقهاء.
الشرط الأول: أن لا يكون الرجل قاصداً من النظر التلذُّذ، وذلك لإطلاق حرمة النظر إلى الأجنبية ومورد الاستثناء إنما هو النظر لغرض التزوج، فإذا كان لغرض أخر فإنَّه لا يكون مشمولا للاستثناء، فيبقى على أصل الحرمة، نعم يجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الغرض بالنظرة الأولى.
الشرط الثاني: أن لا يكون عارفا بحالها قبل النظر ويكون النظر هو المعرِّف بحالها، إذ لو كان عارفا بحالها فإن الغرض من جواز النظر -وهو رفع الجهالة والاطلاع على حالها- ينتفي ولذلك يكون الجواز منتفياً أيضاً.
الشرط الثالث: أن يحتمل اختيارها للزواج بعد الاطلاع على حالها، إذ لو كان يقطع بعدم اختيارها وأنَّ النظر إليها لن يُنتج قبوله لها، فإنَّه لا يكون ممَّن يريد الزواج من هذه المرأة والحال أنَّ جواز النظر للمرأة المعينة إنَّما جُعل لمن يكون مريداً للزواج منها.
الشرط الرابع: أن تكون المرأة ممن يجوز الزواج منها فعلاً، فلا يجوز النظر إلى المرأة لغرض الزواج منها والحال أنَّ الزواج منها محرم عليه فعلاً كما لو كان عنده أربع زوجات أو كانت المرأة التي يريد الزواج منها في العدَّة، فإنَّ الزواج من ذات العدَّة محرم في وقت العدَّة، وهكذا الكلام بالنسبة لأخت الزوجة فإنَّه لا يسوغ النظر إليها لغرض الزواج منها، لأنَّ الزواج منها محرم فعلاً باعتبار أنَّ أختها لا زالت في عهدته، والدليل على ذلك هو أنَّ الروايات الدالة على جواز النظر ظاهرة في أنَّ الجواز إنَّما هو في حال مشروعية الزواج من المرأة المنظور إليها، فإن المشروعية فعلية وليست معلقة على زوال المانع.
الشرط الخامس: أن يكون قاصدا الزواج من المرأة المنظور إليها بالخصوص، فلا يجوز النظر إلى كلِّ امرأة لأنه بصدد البحث عن المرأة المناسبة. ولا يجوز له النظر إلى مجموعة من النساء في عرضٍ واحد لغرض اختيار واحدة منهنّ. ذلك لأنَّ الروايات دلَّت على أنه إذا عين امرأة وقصد الزواج منها ساغ له النظر إليها. وهذا الشرط وقع محلاً للخلاف بين الفقهاء، فذهب بعضهم إلى جواز النظر إلى كلِّ امرأة يجوز الزواج منها إذا كان قاصداً الزواج من امرأة ما إلا أن الصحيح ما ذكرناه.
المسألة الثالثة:
وهل يشترط إذنُ المرأة في جواز النظر إليها؟
الجواب:
أجمع الفقهاء على عدم اشتراط ذلك، لعموم ما دلَّ على جواز النظر إلى المرأة التي يريد الرجل الزواج منها، ولم يُقيَّد شيءٌ من الأدلة باشتراط أذنها.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
17 / 9 / 2004م
1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص88.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص89.
3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص89.
4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص90.