نزول المدَد على الحسين(ع) من الملائكة والجن
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد:
المسألة:
هل صحيح بأن جمعًا من الملائكة وجمعًا من الجن طلبوا الإذن من الإمام الحسين (ع) لمناصرته إلا أنه لم يقبل منهم ذلك؟ فإذا صح ذلك فما هو سبب عدم إذنه لهم؟
الجواب:
ورد في كتاب الكافي للكليني بسندٍ معتبر عن أبي جعفر (ع) قال: "أنزل الله تعالى النصر على الحسين (ع) حتى كان ما بين السماء والأرض ثم خيِّر: النصر، أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالى"(1).
والظاهر أنَّ المراد من نزول النصر وأنه كان ما بين السماء والأرض هو نزول المدد من الملائكة.
ويمكن تأييد ذلك بما رواه العلامة المجلسي في البحار أخذه من كتاب مقتل الحسين للسيد محمد بن أبي طالب قال: "وقال شيخنا المفيد باسناده إلى أبي عبد الله الصادق (ع) قال: لما سار أبو عبد الله الحسين (ع) من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسَّومة في أيديهم الحراب .. فسلموا عليه، وقالوا: .. إنَّ الله سبحانه أمدَّ جدك بنا في مواطن كثيرة، وإنَّ الله أمدَّك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي أُستشهد فيها وهي كربلاء، فإذا وردتُها فأتوني .."(2).
وأمَّا إبداء بعض الجن الاستعداد لنصرة الحسين (ع) فورد في نفس الرواية التي يرويها الشيخ المفيد عن أبي عبدالله الصادق (ع): "وأتته أفواج مسلمي الجن فقالوا: يا سيدنا، نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بأمرك، وما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كلِّ عدوٍّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزَّاهم الحسين خيرا وقال لهم: أَو ما قرأتم كتاب الله المُنَزل على جدي رسول الله: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾(3) وقال سبحانه: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾(4)(5).
وليس ذلك بمستغربٍ ولا مستبعد، فالحسين (ع) كان سليل النبوَّة وكان إمامًا من عند الله تعالى مفترض الطاعة على عموم عباد الله من الجن والإنس وقد نصَّ القرآن الكريم في آية التطهير وآية المباهلة وآية المودة وغيرها على مقامه السامي وآية المودة التي فرضت على العباد مودته لا تختص بالأنس دون الجن فمودته كانت أجراً للرسالة التي بُعث بها محمد (ص) للإنس والجن على حدٍّ سواء كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا/ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾(6).
وقد نصَّت السنَّة الشريفة في حديث الثقلين وحديث السفينة وحديث أنَّ الحسين سبط من الأسباط وأنه وأخوه الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة وغيرها على إمامته وعلوِّ شأنه عند الله تعالى، وقد كانت نهضته إعلاءً لكلمة الله تعالى.
فأيَّ محذورٍ بعد ذلك في أن يمنحه الله كرامته فيمدُّه بالملائكة والجن وقد نص القرآن على وقوع ذلك في تاريخ الرسالات، قال تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾(7).
وقال تعالى على لسان سليمان: ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ / قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ..﴾(8).
وقال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ .. وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾(9).
وقال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾(10).
وأمَّا لماذا اختار الحسين (ع) لقاء الله والشهادة فذلك لعلمه المأثور عن رسول الله (ص) أنَّ شهادته هي طريق الإعلاء لكلمة الله عزَّ وجل وهو طريق الخلود للدين المحمديِّ الأصيل، واعتماد الإمام الحسين (ع) لخيار الشهادة لا يمنع من أن يُظهر الله تعالى له كرامته فيمده بالملائكة والجن تطمينًا لقلبه وتسليةً لفوائده وأنه ليس هيِّناً عليه، بل هو كريم عنده تعالى.
فالحسين (ع) قد اختار الطريق الأحظى عند الله تعالى فكان نزول الملائكة ومجيء الجن تعبيرًا عن أنَّه (ع) حفيٌّ عند الله تعالى وجيهٌ لديه، فهو تعالى قد بعثهم مؤتمرِين بأمره، وأمر الحسين (ع) واقع في صراط إرادة الله تعالى لا يشطُّ عنها قيد شعره، فهو أعرف منهم بما هو الأحظى عند الله جلَّ وعلا، وهم إنَّما نزلوا ليكونوا طوع أمره لذلك وبعد إبائه عليهم تركوه روحي فداه يكابدُ البلاءَ وحده وينابذُ الظالمين بمفرده وقد شقَّت عليهم غربتهُ وكربتُه واستضعاف البغاةِ له إلى أن سُفك في جنب الله دمُه وملائكة الله متحلَّقون حوله علَّه يستنصرهم فينصرونه لكنه لم يفعل فمضى صابراً محتسباً يترقب وعد الله بأن يحفظ دينه بدمه الزكي، فأنجز الله له ما وعده.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- الكافي -الكليني- ج1 / ص260.
2- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج44 / ص330.
3- سورة النساء / 78.
4- سورة آل عمران / 154.
5- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج44 / ص330.
6- سورة الجن / 1-2.
7- سورة النمل / 17.
8- سورة النمل / 38-39.
9- سورة الأنبياء / 81-82.
10- سورة سبأ / 12.