النذر لأهل القبور
النذر عبارة عن إلزام الإنسان نفسه بالقيام بأداء عمل إذا قضيت حاجته كأن يقول: للّه عليَّ أن أختم القرآن إذا نجحت في الامتحان، هذا هو النذر الشرعي ويعتبر أن يكون النذر للّه سبحانه ولا يجوز لغيره.
وربما يلتزم في ضمن النذر إهداء ثواب عمله إلى المقربين له كالأب والأمّ أو الأنبياء والأولياء، فيقول: نذرت للّه أن أختم القرآن واهدي ثوابه لفلان. واللام الداخلة على لفظ الجلالة غير اللام الداخلة على لفظة "فلان"فاللام الأولى للغاية أي لغاية التقرب إلى اللّه سبحانه، واللام الثانية لبيان موضع الانتفاع.
هذا هو المتعارف بين المسلمين ينذرون عملاً للّه ثمّ يلتزمون بإهداء ثوابه لأحد أولياء اللّه وعباده الصالحين.
وربما يختصرون في العبارة ويقولون: هذه - الشاة - منذورة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمراد هو جهة انتفاعه، والقرآن الكريم مشحون بكلا الاستعمالين.
قال سبحانه حاكيًا عن امرأة عمران: ﴿رَبِّ إنّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْني مُحَرَّرًَا﴾ (1) فاللام في هذه الآية نظير قولنا: "صليت للّه ونذرت للّه".
وقال سبحانه: ﴿إنَّما الصَّدقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكينِ﴾ (2) واللام للفقراء بمعنى الانتفاع،نظير قولنا عند الاختصار: هذا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو للإمام (عليه السلام) وقد مضى انّسعدَ بن عبادة لما حفر بئرًا قال: هذه لأمّ سعد.
وبذلك ظهر انّه لا مانع من النذر للأولياء والصالحين، على ما عرفت من تفسيره.
ولأجل إيضاح الحال نأتي بكلام بعض المفكرين وعلماء الإسلام.
يقول الخالدي: إنّ المسألة تدور مدار نيّات الناذرين، وإنّما الأعمال بالنيّات فإن كان قصد الناذر الميت نفسه والتقرّب إليه بذلك لم يجز، قولاً واحدًا، وإن كان قصده وجه اللّه تعالى وانتفاع الأحياء - بوجه من الوجوه - به وثوابه لذلك المنذور له سواء عين وجهًا من وجوه الانتفاع أو أطلق القول فيه، وكان هناك ما يطرد الصرف فيه في عرف الناس أو أقرباء الميت، أو نحو ذلك - ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور.(3)
وقال العزامي في كتاب "فرقان القرآن":"... ومن استخبر حال من يفعل ذلك من المسلمين، وجدهم لا يقصدون بذبائحهم ونذورهم للأموات - من الأنبياء والأولياء - إلاّالصدقة عنهم و جعل ثوابها إليهم، وقد علموا أنّ إجماع أهل السنّة منعقد على أنّ صدقة الأحياء نافعة للأموات واصلة إليهم، والأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة.(4)
أخرج أبو داود عن ميمونة انّ أباها قال لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول اللّه انّي نذرت إن وُلد لي ذكر أن أنحر على رأس "بُوانة" في عقبة من الثنايا، عدّة من الغنم.
قال الراوي عنها: لا أعلم إلاّ أنّها قالت: خمسين.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): هل من الأوثان شيء؟
قال: لا.
قال: أوف بما نذرت به للّه.(5)
تجد انّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكِّد السؤال عن وجود الأصنام في المكان الذي تذبح فيه الذبائح انّهذا دليل على أنّ النذر الحرام هو النذر للأصنام حيث جرت عادة أهل الجاهلية على ذلك كما قال تعالى: ﴿...وَما ذبح عَلى النُّصُبِ... ذلِكُمْ فِسْق﴾.(6)
وكلّ من وقف على أحوال الزائرين للعتبات المقدسة ومراقد أولياء اللّه الصالحين يجد انّهم ينذرون للّه تعالى ولرضاه، ويذبحون الذبائح باسمه عزّ وجلّ بهدف انتفاع صاحب القبر بثوابها وانتفاع الفقراء بلحومها.
1- آل عمران|35.
2- التوبة|60.
3- صلح الاخوان: للخالدي: 102 ومابعده.
4- فرقان القرآن: 133.
5- سنن أبي داود:2|81.
6- المائدة|3.