الصلة بين الحياتين: الدنيوية والبرزخية
ربما يمكن أن يقال: ان ّالآيات دلت على كون الشهداء والأولياء بل الكفار أحياء، ولكن لا دليل على وجود الصلة بين الحياتين وانّهم يسمعون كلامنا، وهذا هو الذي نطرحه في المقام ونقول:
دلّ الذكر الحكيم على وجود الصلة بين الحياة الدنيوية والبرزخية بمعنى انّ الأحياء بالحياة البرزخية يسمعون كلامنا ويشاهدون أفعالنا، وليسوا بمنقطعين تمام الانقطاع عن الحياة الدنيوية وإليك شواهد من الآيات:
1. قال سبحانه: ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمينَ* فَتَولّى عَنْهُمْ وَقالَيا قَومِ لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصحينَ﴾.(1)
نزلت الآيات في قصة النبي صالح حيث دعا قومه إلى عبادة اللّه وترك التعرض لمعجزته (الناقة) وعدم مسِّها بسوء، ولكنّهم بدل ذلك فقد عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربّهم فعمَّهم العذاب فأصبحوا في دارهم جاثمين، فعند ذلك عاد النبي صالح يخاطبهم وهم هلكى، بقوله: ﴿فَتَولى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَومِ لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحينَ﴾.
وقد صدر الخطاب من النبي صالح (عليه السلام) بعد هلاكهم وموتهم، بشهادة قوله: ﴿فتَولّى عَنْهُم﴾ في صدر الخطاب المصدرة بالفاء المشعرة بصدور الخطاب عقيب هلاك القوم.
فلو لم تكن هناك صلة بين الحياتين لما خاطبهم النبي صالح بهذا الخطاب.
2. قال سبحانه: ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمينَ* الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأنْ لَمْ يَغْنَوا فِيها الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كانُوا هُمُ الْخاسِرينَ* فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَومٍ كافِرينَ﴾.(2)
وقد وردت هذه الآية في حقّ النبي شعيب (عليه السلام) ودلالة الآية كدلالة سابقتها، حيث يخاطب شعيبُ قومَه بعد هلاكهم، فلو كانت الصلة مفقودة ولم يكن الهالكون بسبب الرجفة سامعين لخطاب نبيهم، فما معنى خطابه لهم؟
3. قال سبحانه: ﴿وَسْئَلْ مَنْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ الِهَةً يُعْبَدُونَ﴾.(3)
ترى انّه سبحانه يأمر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بسؤال الأنبياء الذين بعثوا قبله وأمّا مكان السؤال فلعلّه كان في ليلة الإسراء.
1- الأعراف|78ـ 79.
2- الأعراف|91ـ 93.
3- الزخرف|45.