تفسير الآيات

المراد من الضحى وقت الضحى، وهو صدر النهار حتى ترتفع الشمس وتلقي شعاعها، قال سبحانه: (وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحى)(1).

وقوله: (والليلِ إذا سَجى) أي والليل إذا سكن، يقال: سجى البحر سجوًا، أي سكنت أمواجه، ومنه استعير تسجية الميت، أي تغطيته بالثوب، والمراد إذا غطى الليلُ وجه الأرض وعمّت ظلمتُه جميع أنحاء البسيطة.

هذا هو المقسم به.

وأمّا المقسم عليه: فهو ما جاء عقبه، أي ما تركك يا محمد ربّك وما أبغضك منذ اصطفاك.

(وللآخِرةُ خَيرٌ لَكَ من الأولى) أي ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها خير لك من الدنيا الفانية.

(ولَسَوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى) أي سوف يعطيك ربّك في الآخرة ما يرضيك من الشفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة.

وروي أنّ محمد بن علي بن الحنفية، قال: يا أهل العراق، تزعمون أنّأرجى آية في كتاب اللّه عزّوجلّ هو قوله تعالى: (قُلْ يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه)(2) إنّا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب اللّه، هو قوله: (ولَسَوف يُعطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى) وهي واللّه الشفاعة، ليعطينّها في أهل لا إله إلاّ اللّه حتى يقول: ربّي رضيت(3).

وقد ذكر المفسرون في شأن نزول الآية: انّه احتبس الوحي عنه خمسة عشر يومًا، فقال المشركون: إنّمحمدًا قد ودّعه ربّه وقلاه، ولو كان أمره من اللّه تعالى لتتابع عليه، فنزلت هذه السورة.

هذا ما يذكره المفسرون، ولكن الحقّ انّه لم يكن هناك أيُّ احتباس وتأخير في نزول الوحي، وذلك لأنّه جرت سنّة اللّه تعالى على نزول الوحي تدريجًا لغايات معنوية واجتماعية، وقد أشار الذكر الحكيم إلى حكمة نزوله نجومًا في غير واحدة من الآيات، قال سبحانه: (وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولا نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرآن ُجُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ورَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً).(4)

فالآية تعكس فكرة المشركين حول نزول القرآن وكانوا يتصورون أنّ القرآن كالتوراة، يجب أن ينزل جملة واحدة لا نجومًا وعلى سبيل التدريج، فأجاب عنه الوحي، بأنّ في نزوله التدريجي تثبيتًا لفؤاد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، لتداوم الصلة بين الموحي والموحى إليه بين الحين والحين.

وهذا بخلاف ما لو نزل جملة واحدة وأوصد فيها باب الوحي، وانقطعت صلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسماء، ففي صورة استدامة الوحي والصلة بينه وبين اللّه سبحانه يعيش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ظل إمدادات غيبية تعقبه إزالة الصدأ العالق على قلبه من خلال مجابهة المشركين والكافرين، بخلاف الثاني، ففيه إيماء إلى انقطاع الصلة حينها يجد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" نفسه وحيدًا دون من يعضده ويسلّيه ويذهب عنه همّ القلب.

ففي الحقيقة لم يكن هناك طارئة باسم احتباس الوحي أو تأخيره، وإن زعم المشركون نزول الوحي نجومًا احتباسًا وتأخيرًا له.

وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه، فلا تخلو من وضوح:

1- لأنّ نزول الوحي يناسب الضحى، كما أنّ انقطاعه يناسب الليل.

2- لأنّ عماد الحياة هو مجيىَ الليل عقب النهار، لا استدامة النهار ولا استدامة الليل، فهكذا الحال في عماد الحياة النبوية الذي هو نزول الوحي نجومًا تثبيتًا لقلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

3- ولأنّ الضحى والليل نعمة من نعم اللّه سبحانه منّ بها على عباده لما لهما من تأثير مباشر في استقرار الحياة وهكذا الحال في نزول الوحي نجومًا.


1 - طه: 59

2 - الزمر: 53

3 - مجمع البيان: 5|505.

4 - الفرقان: 32