تفسير الآيات

النجم الثاقب والثاقب الشيء الذي يثقب بنوره وإصابته ما يقع عليه، قال سبحانه: (فأتْبَعهُ شِهابٌ ثاقِب)(1).

(إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظ) فلفظة (لما) بمعنى إلاّ نظير قوله سبحانه: (وإنَّ كُلاً لَمّا لَيُوفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أعمالَهُم)(2) ونظيره قولك: "سألتك باللّه لما فعلت".

والمراد من حافظ هم الموكلون على كتابة أعمال الإنسان حسنها وسيئها، يحاسب عليها يوم القيامة ويجزى بها فالحافظ هو الملك والمحفوظ هو العمل، قال تعالى: (وإنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظينَ * كِرامًا كاتِبين * يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُون)(3) ويحتمل أن يراد من حافظ هو القوة الحافظة للإنسان من الموت وفساد البدن ولعلّه إليه يرشد قوله سبحانه: (وهُو القاهِرُ فَوقَ عِبادِهِ ويُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَة)(4).

والقوى الظاهرية والمادية والمعنوية التي هي من جنود ربنا والتي وكّلت لحفظ الإنسان من الشر إلى أن ينقضي عمره، هم الحفظة، ولكن المعنى الأوّل هو الأنسب.

بقي هنا أمران:

الأوّل: انّ المراد من النجم الثاقب هو كوكب زحل، فانّه من أبعد النجوم في مجموعتنا الشمسية التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة وقيل لزحل عشرة أقمار يمكن رؤية ثمانية منها بالناظور العادي.

ولا يمكن رؤية الآخرين إلاّ بالنواظير الكبيرة، والظاهر انّ المراد مطلق النجم الذي يثقب ضوءه وإن كان زحل من أظهر مصاديقه.

وأمّا المقسم عليه فهو قوله: (إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمّا عَليها حافِظ).

وأمّا الصلة بينهما بالنحو التالي: هو انّ السماء العالية والنجوم التي تتحرك في مدارات منظمة دليل النظم والحساب الدقيق، فليعلم الإنسان بأنّ أعماله أيضًا تخضع للحساب الدقيق، فانّ هناك من يحفظ أعماله ويسجّلها إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وانّها لمسؤولية عظيمة يحملها الإنسان، إذ ما من أحد إلاّ وهو مراقب، تكتب عليه كلّ أعماله من المهد إلى اللحد، فليس من شيء يضيع في هذه الدنيا أبدًا.

هذا إذا قلنا بأنّ المراد من حافظ هو حافظ الأعمال، وأمّا إذا فسرت من يحفظ الإنسان من الحوادث والمهالك، فالصلة بالنحو التالي: وهو انّ للنفوس رقيبًا يحفظها ويدبر شؤونها في جميع أطوار وجودها حتى ينتهي أجلها، كما أنّ للسماء مدبرًا لشؤونها بما تحتويه من أنظمة رائعة ومعقدة، فالفضاء الكوني فسيح جدًا تتحرك فيه كواكب لا حصر لها، بسرعة خارقة، بعضها يواصل رحلته وحده، ومنها أزواج تسير مثنى مثنى، ومنها ما يتحرك في شكل مجموعات، والكواكب على كثرتها يواصل كلّ واحد منها سفره على بُعد عظيم يفصله عن الكواكب الأخرى.

إنّ هذا الكون يتألف من مجموعات كثيرة من الكواكب والنجوم تسمّى مجاميع النجوم، وكلّها تتحرك دائمًا وتدور في نظام رائع.

ومع هذا الدوران تجري حركة أُخرى وهي انّ هذا الكون يتسع من كلّ جوانبه، كالبالون المتخذ من المطاط، وجميع النجوم تبتعد في كلّ ثانية بسرعة فائقة عن مكانها، هذه الحركة المدهشة تحدث طبقًا لنظام وقواعد محكمة بحيث لا يصطدم بعضها ببعض ولا يحدث اختلاف في سرعتها(5).


1 - الصافات: 10

2 - هود: 111

3 - الانفطار : 10 - 12

4 - الأنعام: 61

5 - الاِسلام يتحدى: 58.