تفسير الآيات
النازعات من النزع، يقال: نزع الشيء جذبه من مقره، كنزع القوس عن كنانته.
والناشطات من النشط وهو النزع أيضًا، ومنه حديث أُمّ سلمة فجاء عمار وكان أخاها من الرضاعة ونشط زينب من حجرها، أي نزعها؛ ونشط الوحش من بلد إلى بلد إذا خرج.
والسابحات من السبح السريع في الماء وفي الهواء، ويقال: سبح سبحًا وسباحة، واستعير لمرّ النجوم في الفلك ولجري الفرس.
والسابقات من السبق والمدبرات من التدبير.
وأمّا الغرق اسم أُقيم مقام المصدر، وهو الإغراق، يقال: غرق في النزع إذا استوفى في حدّ القوس وبالغ فيه.
هذه هي معاني الألفاظ، وأمّا مصاديقها فيحتمل أن تكون هي الملائكة، فهي على طوائف بين نازع وناشط وسابح وسابق ومدبر، قال الزمخشري: أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد، وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها، أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمرًا من أُمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم(1).
والمقسم عليه محذوف وهو لتبعثنّ يدل عليه ما بعده من ذكر القيامة.
ولا يخفى انّ الطائفة الثانية على هذا التفسير نفس الطائفة الأولى، فالملائكة الذين ينزعون الأرواح من الأجساد هم الذين ينشطون الأرواح ويخرجونها، ولكن يمكن التفريق بينهما، بأنّ الطائفة الأولى هم الموكّلون على نزع أرواح الكفار من أجسادهم بقسوة وشدة بقرينة قوله غرقًا، وقد عرفت معناه، وأمّا الناشطات هم الموكلون بنزع أرواح المؤمنين برفق وسهولة.
والسابحات هم الملائكة التي تقبض الأرواح فتسرع بروح المؤمن إلى الجنة، وبروح الكافر إلى النار، والسبح الإسراع في الحركة، كما يقال: للفرس سابح إذا أسرع في جريه.
والسابقات وهم ملائكة الموت تسبق بروح المؤمن إلى الجنة وبروح الكافر إلى النار.
فالمدبرات أمرًا المراد مطلق الملائكة المدبرين للأمور، ويمكن أن يكون قسم من الملائكة لكلّ وظيفة يقوم بها، فعزرائيل موكل بقبض الأرواح وغيره موكل بشيء من التدبير.
ثمّ إنّ الأشد، انطباقًا على الملائكة، هو قوله: (فالمدبرات أمرًا)، وهو قرينة على أنّ المراد من الأخيرين هم الملائكة، وبذلك يعلم أنّ سائر الاحتمالات التي تعجّ بها التفاسير لا يلائم السياق، فحفظ وحدة السياق يدفعنا إلى القول بأنّهم الملائكة.
وبذلك يتضح ضعف التفسير التالي:
المراد بالنازعات الملائكة القابضين لأرواح الكفّار، وبالناشطات الوحش، وبالسابحات السفن، وبالسابقات المنايا تسبق الآمال، وبالمدبرات الأفلاك، ولا يخفى انّه لا صلة بين هذه المعاني وما وقع جوابًا للقسم وما جاء بعده من الآيات التي تذكر يوم البعث وتحتج على وقوعه.
والآيات شديدة الشبه سياقًا بما مرّ في مفتتح سورة الصافات والمرسلات، والظاهر انّ المراد بالجميع هم الملائكة.
يقول العلاّمة الطباطبائي: وإذ كان قوله: (فالمدبرات أمرًا) مفتتحًا بفاء التفريع الدالة على تفرع صفة التدبير على صفة السبق، وكذا قوله: (فَالسّابِقاتِ سَبْقًا) مقرونًا بفاء التفريع الدالة على تفرع السبق على السبح، دلّ ذلك على مجانسة المعاني المرادة بالآيات الثلاث: (والسّابِحاتِ سَبحًا * فَالسّابِقاتِ سَبْقًا * فَالمُدبِّراتِ أمْرًا) فمدلولها أنّهم يدبرون الأمر بعدما سبقوا إليه ويسبقون إليه بعد ما سبحوا أي أسرعوا إليه عند النزول، فالمراد بالسابحات والسابقات هم المدبرات من الملائكة باعتبار نزولهم إلى ما أمروا بتدبيره(2).
1 - الكشاف: 3|308.
2 - الميزان: 20-181-