النفس الراضية المرضية
وهي النفس المتكاملة الراضية من ربّها رضى الرب منها، واطمئنانها إلى ربّها يستلزم رضاها بما قدّر وقضى تكوينًا أو حكم به تشريعًا، فلا تسخطها سانحة ولا تزيغها معصية، وإذا رضى العبد من ربّه، رضى الرب منه، إذ لا يسخطه تعالى إلاّ خروج العبد من زي العبودية، فإذا لزم طريق العبودية استوجب ذلك رضى ربّه ولذا عقب قوله: "راضية" بقوله: "مرضية".
قوله تعالى: (فَادْخُلِي فِي عِبادي * وادْخُلي جَنّتي) تفريع على قوله: (ارجعي إلى رَبِّكِ) وفيه دلالة على أنّ صاحب النفس المطمئنّة في زمرة عباد
اللّه حائز مقام العبودية، وذلك انّه لما اطمأنّ إلى ربّه انقطع عن دعوى الاستقلال ورضى بما هو الحقّ من ربّه فرأى ذاته وصفاته وأفعاله ملكًا طلقًا لربّه فلم يرد فيما قدر وقضى، ولا فيما أمر ونهى، إلاّ ما أراده ربّه، وهذا ظهور العبودية التامة في العبد، ففي قوله: (فَادْخُلي في عِبادي) تقرير لمقام عبوديتها.
وفي قوله: (وادْخُلي جَنَّتي) تعيين لمستقرها، وفي إضافة الجنة إلى ضمير المتكلم تشريف خاص، ولا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنة إلى نفسه تعالى وتقدس إلاّ في هذه الآية(1).
هذا كلّه حول المقسم به.
وأمّا المقسم عليه: فهو محذوف معلوم بالقرينة أي "لتبعثنّ" وإنّما حذف للدلالة على تفخيم اليوم وعظمة أمره، قال تعالى: (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ والأرْضِ لا تَأْتيكُمْ إلاّ بَغْتَة)(2) وقال: (إنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أكادُ أُخفِيها لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى)(3)، وقال: (عَمّ يَتَساءَلُونَ * عَنِ النَّبَإ العَظيم)(4)(5).
وأمّا وجه الصلة بين المقسم به والمقسم عليه، فواضح، فانّ الإنسان إذا بعث يوم القيامة يلوم نفسه لأجل ما اقترف من المعاصي، إذ في ذلك الموقف الحرج تنكشف الحجب ويقف الإنسان على ما اقترف من المعاصي والخطايا، فيندم على ما صدر منه قال سبحانه: (ولَوْ أنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الأرْضِ لافتدت بِهِ وأسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأوُا العَذابَ وقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(6)، وقال سبحانه: (وقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَروا بَلْ مَكْرُ اللَّيلِ والنَّهارِ إذْ تَأْمُرُونَنا أنْ نكفُرَ باللّهِ ونَجْعل لَهُ أنْدادًا وأسَرُّوا النَّدامَة لَمّا رَأوا العَذابَ وجَعَلْنَا الأغلالَ في أعْناقِ الَّذينَ كَفَرُوا هَل يُُجْزونَ إلا ّما كانوا يَعْمَلُونَ)(7).
وبالجملة فيوم القيامة يوم الندم والملامة، ولات حين مناص.
1 - الميزان: 20|286.
2 - الأعراف: 187
3 - طه: 15
4 - النبأ: 1-2
5 - يزان: 20|104.
6 - يونس: 54
7 - سبأ: 33.