النفس المطمئنّة

وهي النفس التي توصلها النفس اللوّامة إلى حد لا تعصف بها عواصف الشهوة، وتطمئن برحمة الرب وتحس بالمسؤولية الموضوعة على عاتقها أمام اللّه وأمام المجتمع، يقول سبحانه: (يا أيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّة)(1) فصاحب هذه النفس يمتلىَ بالسرور والفرح عند الطاعة وتجد في صميمها لذة للطاعة وحلاوة للعبادة لا يمكن وصفها بالقلم واللسان.

وبعبارة أُخرى: النفس المطمئنّة هي التي تسكن إلى ربها وترضى بما رضي به، فترى نفسها عبدًا لا يملك لنفسه شيئًا من خير أو شر أو نفع أو ضر، ويرى الدنيا دار مجاز، وما يستقبله فيها من غنى أو فقر أو أي نفع وضر، ابتلاء وامتحانًا إلهيًا، فلا يدعوه تواتر النعم عليه إلى الطغيان، وإكثار الفساد، والعلو والاستكبار، ولا يوقعه الفقر والفقدان في الكفر وترك الشكر، بل هو في مستقر من العبودية لا ينحرف عن مستقيم صراطه بإفراط أو تفريط(2).

وهناك كلمة قيمة للحكيم محمد مهدي النراقي حول واقع النفوس الثلاث، يقول: والحقّ انّها أوصاف ثلاثة للنفس بحسب اختلاف أحوالها، فإذا غلبت قوتها العاقلة على الثلاثة الأخر، وصارت منقادة لها مقهورة منها، وزال اضطرابها الحاصل من مدافعتها سمّيت"مطمئنة"، لسكونها حينئذٍ تحت الأوامر والنواهي، وميلها إلى ملائماتها التي تقتضي جبلتها، وإذا لم تتم غلبتها وكان بينها تنازع وتدافع، وكلما صارت مغلوبة عنها بارتكاب المعاصي حصلت للنفس لوم وندامة سمّيت "لوامة".

وإذا صارت مغلوبة منها مذعنة لها من دون دفاع سميت "أمّارة بالسوء" لأنّه لما اضمحلت قوتها العاقلة وأذعنت للقوى الشيطانية من دون مدافعة، فكأنّما هي الآمرة بالسوء(3).


1 - الفجر: 27- 28

2 - الميزان: 20|285.

3 - جامع السعادات: 1|63 - 64.