إكمال
إنّه سبحانه قال: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم) فالمراد منه القسم بلا شك، بشهادة انّه قال بعده: (وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم) فلو كان معنى الآية هو نفي القسم فلا يناسب ما بعده حيث يصفه بأنّه حلف عظيم، وقد اختلف المفسرون في هذه الآيات ونظائرها، إلى أقوال:
1- "لا" زائدة، مثلها قوله سبحانه: (لئلاّ يَعْلَم).
2- أصلها لأقسم بلام التأكيد، فلمّا أشبعت فتحتها صارت "لا " كما في الوقف.
3- لا نافية بمعنى نفي المعنى الموجود في ذهن المخاطب، ثمّ الابتداء بالقسم، كما نقول: لا واللّه لا صحة لقول الكفار، أقسم عليه.
ثمّ إنّه سبحانه يصف هذا القسم بكونه عظيمًا، كما في قوله (و انّه لقسم لو تعلمون عظيم)، فقوله: (عظيم) وصف (القسم) أُخر لحفظ فواصل الآيات.
وهذا القسم هو القسم الوحيد الذي وصفه سبحانه بأنّه عظيم، فالحديث هنا هو حديث على الأبعاد، أبعاد النجوم عنّا، و عن بعضها البعض، في مجرّتنا، وفي كل المجرّات، ولأنّها كلّها تتحرك، فانّ الحديث عن مواقعها يصير أيضًا حديثًا على مداراتها، وحركاتها الأخرى العديدة، وسرعاتها، وعلى علاقاتها بالنجوم الأخرى، وعلى القوى العظيمة والحسابات المعقدة، التي وضعت كلّ نجم في موقعه الخاص به وحفظته، في علاقات متوازنة، دقيقة، محكمة، فهي لا يعتريها الاضطراب، ولا تتغير سننها وقوانينها، وهي لا تسير خبط عشواء أو في مسارات متقاطعة أو متعارضة بل هي تسير كلّها بتساوق وتناغم وانسجام وانتظام تامّين دائمين، آيات على قدرة القادر سبحانه(1).
يقول الفلكيون: إنّ من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلاّ بالمجاهر والأجهزة، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه، هذه كلّها تسبح في الفلك الغامض، ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر، أو يصطدم كوكب بآخر إلاّ كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة، وهو احتمال بعيد وبعيدًا جدًا، إن لم يكن مستحيلاً(2).
1- أسرار الكون في القرآن: 192
2 - اللّه والعلم الحديث: 24