تفسير الآيات
النجم في اللغة: الكوكب الطالع، وجمعه نجوم، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب.
وأمّا "هوى" في قوله: (إذا هَوى) فيطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة، وأُخرى على السقوط من علو إلى سفل.
ولكن تفسيره بسقوط النجم وغروبه، لا يساعده اللفظ، وإنّما المراد هو ميله، وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى أي إذا مالَ.
ثمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين:
أ- أمّا مطلق النجم، فيشمل كافة النجوم التي هي من آيات عظمة اللّه سبحانه ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها.
بـ المراد هو نجم الشعرى الذي جاء في نفس السورة، قال سبحانه: (وانَّهُ هُو رَبُّ الشِّعرى)(1).
ونظيره القول بأنّ المراد هو الثريا، وهي مجموعة من سبعة نجوم، ستة منها واضحة وواحد خافت النور، وبه يختبر قوة البصر.
وربما فسر بالقرآن الذي نزل على قلب رسول اللّه "صلى الله عليه وآله وسلم" طيلة 23 سنة لنزوله نجومًا(2).
لكن لفظ الآية لا يساعد على هذا المعنى.
فاللّه سبحانه إمّا أن يحلف بعامة النجوم أو بنجم خاص يهتدي به السائر، ويدل على ذلك أنّه قيد القسم بوقت هويه، ولعل الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيدًا عن الأرض لا يهتدي به الساري، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال، فإذا زال، تبيّن بزواله جانب المغرب من المشرق(3).
وأمّا المقسم عليه: فهو قوله سبحانه: (ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وما غوى *وما ينطق عن الهَوى *إنْ هُو إلاّ وحيٌ يُوحى).
جمع سبحانه هناك بين الضلال والغي فنفاهما عن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، والقرآن يستعمل الضلالة في مقابل الهدى، يقول سبحانه: (يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ)(4).
كما يستعمل الغي في مقابل الرشد، يقول سبحانه: (وإنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وإنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً)(5).
والمهم بيان الفرق بين الضلالة والغواية، فنقول: ذكر الرازي أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقًا أصلاً، والغواية أن لا يكون له طريق مستقيم إلى المقصد، يدلّك على هذا انّك تقول للمؤمن الذي ليس على طريق السداد، انّه سفيه غير رشيد، ولا تقول إنّه ضال.
والضال كالكافر والغاوي كالفاسق(6).
وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب: الغيّ جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادًا لا صالحًا ولا فاسدًا، وقد يكون من اعتقاد شيء، وهذا النحو الثاني، يقال له: غيّ(7).
وعلى هذا فالآية بصدد بيان نفي الضلالة والغي عن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنه "صلى الله عليه وآله وسلم" ليردّ به التهم الموجهة إليه من جانب أعدائه.
وأمّا بيان الصلة بين المقسم به والمقسم عليه فواضح، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوي والميل يهتدي به الساري كما أنّ النبي يهتدي به الناس، أي بقوله وفعله وتقريره.
فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينية، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي الموحى إليه، ولذلك قال: (إنْ هُو إلاّ وحْيٌ يُوحى).
1 - النجم: 49
2 - انظر الميزان: 19|27؛ مجمع البيان: 5|172.
3 - تفسير الفخر الرازي: 28|279.
4 - المائدة: 105
5 - الأعراف: 146
6 - تفسير الفخر الرازي: 28|280.
7 - مفردات الراغب: 369.