الحلف بالكتاب

حلف سبحانه بالكتاب مرتين، وقال:

1-(حم * والكتابِ المُبِين *إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرين)(1).

2-(حم * والكتابِ المُبِين * إنّا جَعَلْناهُ قُرآنًا عَرَبيًا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)(2).

فالمقسم به هو الكتاب، والمقسم عليه في الآية الأولى قوله: (إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة)، والصلة بينهما واضحة، حيث يحلف بالكتاب على أنّه منزل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة.

كما أنّ المقسم به في الآية الثانية هو ا لكتاب المبين، والمقسم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآنًا عربيًا للتعقل، والصلة بينهما واضحة.

ووصف الكتاب بالمبين دون غيره، لأنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم كما جاء في الآيتين، حيث قال: (إنّا كُنّا مُنذرين) وقال: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)، وهذا النوع من الغاية أي الإنذار والتعقل يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحًا مفهومًا لا مجهولاً ومعقدًا.

والكتاب في الأصل مصدر، ثمّ سمّي المكتوب فيه كتابًا.

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب.

بقي هنا الكلام في عظمة المقسم به ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة.

وقد تكلّم غير واحد من المفكرين الغربيين حول عظمة القرآن، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونستنطقه حتى يبدي رأيه في حق نفسه.

أ- القرآن نور ينير الطريق لطلاب السعادة: قال سبحانه: (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِين)(3).

ب- انّه هدى للمتَّقين: قال سبحانه: (هُدىً لِلْمُتَّقين)(4).

فهو وإن كان هدى لعامة الناس، إلاّ أنّه لا يستفيد منه إلاّ المتقون، ولذلك خصّهم بالذكر.

ج- هو الهادي إلى الشريعة الأقوم: قال سبحانه: (إنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أقْوم)(5).

د- الغاية من إنزاله قيام الناس بالقسط: قال سبحانه: (وأنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ والْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ)(6).

هـ- لا يتطرق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ولا في مضامينه ولا محتواه: قال سبحانه: (ولَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللّهِ لوجَدُوا فِيهِ اختلافًا كَثِيرًا)(7).

و- يحث الناس إلى التدبر والتفكّر فيه (كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ)(8).

ز- تبيان لكلّ شيء: (ونَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيء)(9).

ح- نذير للعالمين: (تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا)(10).

ط- فيه أحسن القصص: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَص)(11).

ي- ضُرب فيه للناس من كلّ مثل: (ولَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل)(12).

هذه نماذج من الآيات التي تصف القرآن ببعض الأوصاف.

وللنبي والأئمة المعصومين كلمات قيّمة حول التعريف بالقرآن ننقل شذرات منها:

قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيبًا، فقال: "أيّها الناس انّكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان، كلّ جديد، ويقرّبان كلّ بعيد، ويأتيان بكلّم وعود، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز".

فقام المقداد بن الأسود، وقال: يا رسول اللّه و ما دار الهدنة؟ قال: " دار بلاغ وانقطاع.

فإذا التبست عليكم الفتن كقطع اللّيل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفّع وماحل مصدَّق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه، ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب، ويتخلص من نشب، فإنّ التفكّر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص"(13).

وقال الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف القرآن: "ثمّ أنزل عليه الكتاب نورًا لا تطفأ مصابيحه، وسراجًا لا يخبو توقّده، وبحرًا لا يدرك قعره، فهو ينابيع العلم وبحوره، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون"(14).

إلى غير ذلك من الخطب والكلم حول التعريف بالقرآن الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).


1 - الدخان: 1-3

2 - الزخرف: 1-3

3 - المائدة: 15

4 - البقرة: 2

5 - الإسراء: 9

6 - الحديد: 25

7 - النساء: 82

8 - ص: 29

9 - النحل: 89

10 - الفرقان: 1

11 - يوسف: 3

12 - الكهف: 54

13 - الكافي: 2|599، كتاب فضل القرآن.

14 - نهج البلاغة، الخطبة 198.