إكمال
قد ذكر السيوطي في كتاب "الإتقان"، وقال: كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير اللّه؟
ثم ّذكر أجوبة ثلاثة، وهي:
الأوّل: انّه على حذف مضاف، أي وربّ التين وربّ الشمس، وكذا الباقي.
الثاني: انّ العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون.
الثالث: انّ الأقسام إنّما تكون بما يعظمه المقسم أو يُجلُّه وهو فوقه واللّه تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته، لأنّها تدل على بارىَ وصانع.
وقال ابن أبي الاصبع في "أسرار الفواتح": القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع، لأنّ ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل، إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن، قال: إنّ اللّه يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلاّ باللّه(1).
ولا يخفى ضعف الأجوبة.
أمّا الأوّل: فانّ معنى ذلك إرجاع الأقسام المختلفة إلى قسم واحد وهو الرب، مع أنّه سبحانه تارة يقسم بنفسه، ويقول: (فَورَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشَّياطين)(2)، وأُخرى بالتين والزيتون والصافات والشمس، فلو كان الهدف القسم بالرب فما فائدة هذا النوع من الأقسام حيث يضيف نفسه إلى واحد من مخلوقاته؟ فانّ العظمة للّه لا للمضاف إليه، ولو كانت له عظمة فإنّما هي مقتبسة من الرب.
وأمّا الثاني: فمعنى ذلك أنّه سبحانه جرى على ما كان عليه العرب في العصر الجاهلي، وقد هدم بعمله ما شرعه من النهي عن القسم بغير اللّه.
وأمّا الثالث: فيكتنفه كثير من الغموض، ولا يعلم كيفية رفع الإشكال، وأمّا ما نقله عن ابن أبي الاصبع فيرجع إلى المعنى الأوّل، وهو أنّ القسم بالمخلوق قسم بالخالق.
وما نقله عن ابن أبي حاتم، من أنّ اللّه يقسم بما شاء من خلقه وليس لأحد أن يقسم إلاّ باللّه، أمر غير واضح، لأنّ إقسام المخلوق بغير اللّه لو كان من مقولة الشرك فالقاعدة لا تقبل التخصيص، فيكون قسمه سبحانه بغير اللّه أيضًا شركًا وعبادة.
وإن كان قسمه سبحانه لأجل بيان قداسته وعظمته أو الأسرار المكنونة فيه، فهو أمر مشترك بين الخالق والمخلوق.
والجواب: انّ النهي عن الحلف بغير اللّه مختص بالطواغيت والأنداد والمشركين من الآباء، وأمّا غيرهم فلم يرد فيهم نهي.
1 - الاِتقان: 4|47.
2 - مريم: 68